المقالات

قناع أم إقناع ؟!


علي عبد الصاحب الجبوري ||

 

ما كان انتصارا لجبهة التضليل؛ ذاك البث الذي حاول زعزعة ثقة البسطاء بالمرجعية الدينية, وهو يخيِّل لهم نجاحه بكشف شخص يعمل على إرتداء قناع في منزل شبيه بمنزل السيد المرجع علي السيستاني(دام ظله), موهما إياهم أن ذلك الشخص هو نجله الأكبر(السيد محمد رضا السيستاني) أثناء الاستعداد للقاء ممثلة الأمين العام لبعثة الأمم المتحدة جنين بلاسخارت ؛بل الأكيد أنه كان كشفا لهزيمتهم ومعاناتهم من فشل لازمهم على طول تصدي هذه المرجعية الصالحة التي استطاعت إحباط كل مشاريعهم التي تهدف إلى التلاعب بطبيعة المجتمع العراقي الدينية وتبديلها إلى ما يؤمن تقسيمهم, وجرهم عن ثوابتهم المناهضة للتطبيع والشذوذ, وابعادهم عن المحافظة على العهد بحفظ الإسلام, والتزام خط العلماء و توجيهاتهم.

لقد دأبت المرجعية الدينية على التعاطي مع التحديات التي يفرضها المحتل باتزان أرهق المحتل وأذنابه ,وبطرح خلاق حفظ للشعب العراقي حقه, ودوره ووجوده, وهذا ما يمكن تثبيته عند متابعة خط سيرها بدء من الانتقال بالعراق إلى دستور دائم ,وليس انتهاء بالجهاد الكفائي .

لقد حددت معاهد الدراسات الاستراتيجية الأمريكية ما يجب على أمريكا استهدافه من  أجل الحفاظ على مصالحها, وانجاح مشاريعها،وفي مقدمتها مشروعها (الإسلام الديمقراطي المدني)،والذي حددت  وجودات ثلاث مهددة لها،وهي:( السيد السيستاني, الإسلام السياسي الشيعي, الحشد الشعبي)وهو ما أشار إليه رئيس معهد دراسات دول الخليج الفارسي (دوغلاس سيليمان).

إن سياسة (حرق أوراق أمريكا) على نار هادئة, والتي تتبعها المرجعية الدينية أزاء المشاريع الأمريكية أفقد أمريكا صوابها حتى غادرت طاولة السياسة,  وفارقت من يقابلها عليها ؛مكتفية بالشعبوية التي يمكن من خلالها اصطناع انتصارا  وهميا يفك عنها ولو قليلا  قيد (الركود) إن لم نقل (الانكسار).ففي ساحة الشعبوية يلجأ الطغاة إلى حياكة حدث يراد منه إيجاد مناخات التضليل ، والتي تساعد بدورها الانتقال بمن تستهدفه من ساحاتها إلى ساحته ؛مستعينة على ذلك بأصحاب الغايات الدنيئة الذين هم أداتها في تلقي وبث التزييف ,وخلق المعايير المزيفة التي تذهب بذهن البسطاء إلى التشكيك.

وفي حادثة القناع أجد أن من الضروري تسليط الضوء على سبل العدو في إقناع البسطاء على التنصل عن قيادة العلماء,  وصرفهم عن هالة الاحترام الكبير التي يحيطونهم بها, ويقابلون على أساسها آرائهم ومواقفهم, وذلك  بعد تثبيت ملاحظة مهمة جدا مفادها( أن فديو القناع تم بثه بعد الجدل الكبير الذي ساد الشارع العراقي إثر انتشار فديو يظهر في السيد محمد رضا نجل السيد المرجع وهو يعزف عن مصافحة رئيس تيار الحكمة الوطني السيد عمار الحكيم ــ بقصد أم بغير قصد ــ في مجلس العزاء المقام على روح الفقيد الخرسان) وهو الأمر الذي يمكن تناوله بنقاط منها:

النقطة الأولى: أن البيئة المناسبة لبث القناعات المزيفة هي بيئة الخلاف والاختلاف, والتي يكون الصانع الأكبر لها هم من استطيع تعريفهم بــ(علِّية القوم) حيث تكون أخلاقية التنصل عن الآخر, وأخلاقية التشكيك بغاياته, وأداء, هي المقدمة على حسن الظن به, والتي تنتج بطبيعتها قدح لا يقوم على مسوغ شرعي, وخروج عن صف جمعي. يسمح باستغلاله لصالح  مَن هدفه الجميع, والذي لا يستثني منهم أحدا, ولقد كان هذا واضحا في قراءة الحدث من خلال كلا التصويرين،وما نتج عنهما.

النقطة الثانية: لقد عهدنا أساليب العدو في زعزعة ثقة المواطن بمؤسسات الدولة, وبرجالها القائمين عليها , وذلك بتغييب ذهنه عن التحديات التي لازمت يومياته منذ 2003 (المفخخات, الاحزمة الناسفة والانتحاريين, وليس انتهاء بداعش),وصرفه عنها بمنهجية محكمة انتهت به إلى اقتناع تام بأن العراق ليس وطنه, وأن هؤلاء الذين أشاد بسيرتهم يوما, وانتخبهم عن ثقة هم أعداءه!!! , وعليه يكون لزاما على  من  تُرصَد حركاته وسكناته أن يعي طبيعة الجبهة التي تستهدفه, والأرضية التي يقف عليها, والماكنة الإعلامية التي  تتحين به, لكي لا تكون سلوكياته أحدى سبل الإقناع التي يعتمدها العدو في تفريق الجمع واختلاف الكلمة ، وتشظي المجتمع, واستهداف الإسلام السياسي الشيعي.

النقطة الثالثة: يحاول العدو جعل التهمة في العلماء بأنهم أهل مكر وخديعة بعد أن نجح في تمرير تلك التهمة بالفاعل السياسي من الإسلاميين, وهو إقناع يترك ارتكازا ذهنيا يسمح لهم بجعل المكر والخديعة والكذب أخلاقية مقبولة, في مجتمع تسوده التهمة, لتقطع وشائجه, وتخلق منه وجودا عاجزا عن إبداء موقف تجاه ما يجب رفضه.

النقطة الرابعة: الهدف الأكبر الذي يقصده العدو هو أخذ المجتمعات من أيدي الصالحين, وجعل التشكيك مادة الوعي المزيف.

لذا يتوجب علينا أن نكون على مستوى المسؤولية ك؛لكي لا نكون سهما بيد العدو يصوبه إلى صدر مرجعياتنا الدينية, ويجعل منه  سبيله لإقناع البسطاء للقبول بمعايير مزيفة يُرفع فيها من لا علم له ، ولا ورع له, و يُحط فيها من زينته الورع ، وملاكه العلم.

ولكي يكون ختامه مسك, نستحضر ما جاء في كتاب الله العظيم,وما ورد عن نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في بيان شرف, وعِظم مسؤولية, وأهمية دور العلماء في الأمة , وذلك بذكر ما وصفهم الله تعالى به في مواضع من كتابه الكريم بالخشية قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)، وما خصهم به النبي _صلى الله عليه وآله وسلم_ من كونهم "ورثة الأنبياء"، فحيثما وقعت الفتن واختلطت الأمور واحتاج الناس إلى المصلح والقائد ,ولم يجدوا أنبياء لله ورسله فليقصدوا ورثتهم الذين يقولون بقولهم ويدلُّون على هديهم، وليست تلك المنزلة لغيرهم، وإن سُئلتَ عن السبب فـ :"قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ".

                                       

                 الكوفة العلوية/11/ربيع الأول/ 1445 هـ

           الأربعاء:27/أيلول/2023

7/مهر/1402

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك