زمزم العمران ||
قال تعالى : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ }
الأمامة في اللغة جاءت من الفعل (أمَّ) ، نقول : (أمَّهم وأمَّ بهم: تقدمهم، وهي الإمامة، والإمام: كل ما ائتم به من رئيس أو غيره) ، اما الأمامة في الاصطلاح ، فيعرف الفقهاء الأمامة ثلاثة معاني ، الأول منها ماهو منصوص من قبل الله سبحانه وتعالى ؛ ويقصد بها خلافة النبي صل الله عليه واله وسلم ، ووصايته من قبل الله سبحانه ، وقد خص بذلك الائمة الاثني عشر عليهم السلام ، اما في المعنى الثاني فتعني الأمامة العامة بمعنى الحاكمية وولاية الأمر ، وفيما يخص المعنى الثالث والأخير ، يقصد به أمامة الصلاة ، أمامة الجمعة والجماعة ، واذا انطلقت هذه السنة بلاقيود ينصرف الذهن الى صاحب الأمامة العظمى ، والولاية الكبرى ، وهو الأمام المعصوم عليه السلام ، الذي جعل من قبل الله تعالى اماماً ، وقدوة للناس ومفترض الطاعة على العباد .
وقد ذكر الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطا، مفهوم الأمامة عند الشيعة : أن الأمامة منصب ألهي كالنبوة ،فكما أن الله سبحانه وتعالى يختار من يشاء من عباده للنبوة والرسالة ، ويؤيد بالمعجزة التي هي كنص من الله عليه ، فكذلك يختار للأمامة من يشاء ويأمر نبيه النص عليه ، وأن ينصبه اماماً للناس من بعده .
وفي أمامة الأمام المهدي عليه السلام ، روى الشيخ الصدوق ، أحد ثقاة الأمام العسكري عليه السلام حيث قال : كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام واحمل كتبه الى الامصار ، فدخلت عليه في علّته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتباً وقال : (أمض بها الى المدائن فأنك ستغيب أربعة عشر يوماً ، وتسمع الواعية في داري وتجدني في المغتسل ) ، قال : ابو الاديان فقلت : ياسيدي فأذا كان ذلك فمن ؟ قال : ( من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي ) ، فقلت : زدني فقال : (من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ) ، ثم منعتني هيبته أن أسأل مافي الهميان وخرجت بالكتب الى المدائن واخذت جواباتها ، ودخلت ( سر من رأى) ، يوم الخامس عشر كما قال لي عليه السلام وأذا أنا بالواعية في داره ، واذا به على المغتسل ، واذا أنا بجعفر الكذاب ابن علي أخيه بباب الدار ، والشيعة من حوله يعزونه ويهنؤونه ، فقلت في نفسي ان يكن هذا الأمام بطلت الأمامة ،لأني كنت اعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ، ويلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزيت وهنئت فلم يسألني عن شيء ، ثم خرج عقيد فقال : قد كفن اخوك فقم فصلِّ عليه ، فدخل جعفر بن علي ، والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي ،قبيل المعتصم المعروف بسلمة ، فلما صرنا في الدار ،اذا نحن بالحسن ابن علي ، صلوات الله عليه على نعشه مكفناً فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجذب برداء جعفر بن علي وقال : ( تأخر ياعم فأنا أحق بالصلاة على أبي ) فتأخر جعفر وقد أربدّ وجهه وأصفرّ ، فتقدم الصبي فصلى عليه ودفن الى جانب قبر أبيه عليهما السلام ، ثم قال : ( يابصرى هات جوابات الكتب التي معك) ، فدفعتها اليه فقلت في نفسي : هذه بيّنتان بقي الهميان ،ثم خرجت الى جعفر بن علي وهو يزفر فقال له حاجز الوشا : ياسيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟ فقال : والله مارأيته ولا اعرفه فنحن جلوس اذ قدم نفر من قم ، فسألوا عن الحسن بن علي عليه السلام ، فتعرفوا موته فقالوا : فمن نعزي ؟ فأشاروا الى جعفر ابن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه ، وقالوا : معنا كتب ومال ، فتقول ممن الكتب وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منا أن نعلم الغيب ؟! فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان ، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا اليه الكتب والمال ، وقالوا : الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الأمام .
أما الحكمة من غيبة الأمام ، فهو كما ورد في الرواية عن النبي صل الله عليه واله وسلم : ( أنما مثل قائمنا أهل البيت ، كمثل الساعة ، لايجليها لوقتها ، الا هو ثقلت في السماوات ، لايأتيكم الا بغتة ) .
يجب على الفرد المنتظر للأمام ، الا يعقد هُدنة مع أهل الباطل ، ولايوقف الصراع بينه وبينهم ، فأن الباطل لاينتهي دوره وكذلك الحق لم يتنازل عن دوره طوال فترة الغيبة ، لأن الصراع مازال مستمر بين جبهتين الحق والباطل ، وأتباع الباطل لن يتوقفوا عن نصرة باطلهم ، ونشره ومد سيطرته ونفوذه ، وهم في عمل دائب ومستمر لمقاومة الحق وأظهار الباطل ، في جميع الحقول وعلى كافة المستويات ، وأذا كان أهل الباطل في خدمة باطلهم ؟ فهل يصح لأهل الحق أن يعلنوا الهدنة وانهاء المعركة في طرف واحد ، ويسكتون عن الظلم ، الى ظهور القائد المنتظر ؟
https://telegram.me/buratha