كوثر العزاوي ||
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّـهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ..} الانفال٢٤
إنّ المقصود بالحياة كما وضّح علماء التفسير، هي التي تنبثق عن دعوة الأنبياء ليس الحياة الحيوانية، لأنّ هذا النمط من الحياة موجود حتی بدون دعوة الأنبياء، بل المراد هي الحياة الفکرية والعقلية والمعنوية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية فهي الحياة علی جميع الصُّعُد، وتتلخّص في الإيمان والعمل الصالح، وقد دعا الله تعالی والأنبياء "عليهم السلام" أيضًا الناس إلی هذه الحياة، "دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ"فقد نفهم أن الحياة الطيبة التي يدعُ الله والانبياء إليها، هي طاعتهم والتسليم لأوامرهم والتخلّق بأخلاقهم، فإنها باكورة السبيل الأصلح للوصول إلی الحياة الطيبة، کما نقرأ في موضع آخر من القرآن الکريم «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَو أُنْثَی وهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً» النحل٩٧، وبحسب روايات الفريقين، فإنّ من بين أمثلة الحياة الطيبة هي تلبية دعوة النبي الکريم "صلّی الله عليه وآله وسلّم" فيما يتعلّق بولاية علي بن أبي طالب وأهل بيته"عليهم السلام"
فمَن لبّى الدعوة هذه فليُبشر بطيب الحياة ولذة العيش ولكن.. ونحن نعيش ذكرى الرحيل الأليم لسيد الكونين النبيّ محمد "صلى الله عليه وآله" ثمة سؤال يطرح نفسه: إنّ من يروم الحياة الطيبة مع محمد وآله الطاهرين، هل يكفي مجرد الإعجاب العاطفي لشخص النبي"صلّى الله عليه وآله"! أو معرفة الجوانب التاريخية وكون النبي رجل عظيم غيّر وجه التاريخ وحسب؟! أم انّ المطلوب وماينبغي لكل مسلم ومؤمن أن يقتدي ويقتفي الأثر ليكون مصداقًا لما جاء على لسان النبي الأعظم في قوله "عزوجل":
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله..} و{إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} فالمطلوب حقًا هو الإتّباع وتلمّس نقاط الضوء ومطلق السطوع في حياة النبيّ كأسوة وقدوة من حيث التأثير على الحياة الإنسانية بكل أبعادها، فالأحرى بمن يدّعي الأتّباع والولاء ان يقف عند الصفات الكريمة، والسمات الفاضلة التي تحلّى بها نبّينا الكريم وان يتمثل ويقتدي بها، كما نحث ونعلم أبناءنا على التخلق بها، والسير على هديها واتباع منهجها، فنبيّنا كان قرآنًا يتحرك، وخلُقًا يتجلى لأهل الدنيا، عندئذ ندرك أنّ كل حياة النبي بكل أبعادها هي جزء لا يتجزأ من رسالته ودعوته، وهي جزء من الوحي، حتى بلغ المقام الأرفع في رتبة الشرف{ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى..} فحسبنا شرفًا وعزة أننا من أمة محمد "صلى الله عليه وآله" وحريّ بنا أن نلتزم خلُقُهُ العظيم، لأن مجرد النظريات الذهنية والعواطف الشفافة لا تؤثر على روح الإنسان ولا تجذبه إلى تطبيق المبادئ والفضائل! فلنتأمّل، فإنّ الأسوة محمد والرمز محمد وهو القائل{ إنما بُعثتُ لأتمّم مكارم الأخلاق}.
٢٨-صفر-١٤٤٥هج
١٣-٩-٢٠٢٣م
https://telegram.me/buratha