كوثر العزاوي ||
عند إعتصار النفس، أعود إليك في همهماتٍ انت تدركها لاغيرك، وحينما تنفث الروح بُركانها ملتاعة، تراها تعصف كلّ صمت يتبختر على جراح المكلوم لتعزف سمفونية عصماء لاتليق إلّا بأرواح عانقت العلياء في ليالي الحزن الطويلة، فعندما أقول "شهيد" تخشع الكلمات ويسجد القلم، وكلما حاول أن يكتب سطرا سبَقت دموع العين هَمَلا، وانبرت نبضات القلب تُسابق زفرةً تحت الشغاف مقيمة منذ الوداع المرير.
لا مناص والشهيد في أقصى الوريد صنديد، قد حطّم جبروت الظلم وأمتشق سيف الكرامة واﻹباء وأكذَبَ أحدوثة الظالم على مر الدهور، وبَقينا نحن العالقون في هذه الدنيا نرتَشفُ من عذب آثارهم رحيق الوصول، علّنا نحظى بنفثة عطر من عبقِ وفائهم، فوالله قد عزّ الوفاء في زمان ليس فيه ظِلالهم.
فيا أيها الراحلون العابرون على الصراط، ها أنا راجية لطفكم بأن تُطلّوا من شرفات العلى، لأكتبكم قصيدة، وأنتقي جمال حروف الخلد من أسمائكم، وأصوغها عِقدًا بألوان أوراق العمر التي استوطنتها دماؤكم وسكنت واحات الجنان بعد ان بعثرها الرصاص ومزقها حقد الطغاة، أعيروني قلمكم وأبجديتكم لأكتب عن صدقكم عن عشقكم لله في كل اللغات، ياليت شعري!
كم تحتاج روحي اليوم لمَعين فراتكم، يوم لاوداع، وقد رحلتم مع الفجر إلى حيث اللقاء مع الأطهار، والبسمة في عيونكم، والبسملة على شفاهكم، راغبين فيما زهد فيه غيركم من الثواب الجزيل! ويوم أدركتُ انّ الشهيد والشهادة، هي تلك الحقيقة التي ينبغي أن لاتكون شعارًا يتغنى بها الجميع فحسب!..
بل يجب أن يتحقق معها التفاعل الروحي الذي يُفضي إلى استلهام الدروس المعنوية المؤدية إلى اقتفاء الأثر الذي تجسده الأفعال والمواقف والثبات عليها، حتى الوصول الى الأصل المطلق في الملكوت الأعلى!!
فمذ أدركت ذلك، سقطت الحروف ثم نزفت، حتى وجَمَت كلماتي خرساء، تناثرت معانيها على عتبة اللامبالين، فلم تعد مفهومة لديهم لضيق الآفاق! لذا سأبقى أرثيكم بحبّ وافتقار ولو عُدِمْتُ الحياة، ولابد من اختصار الطريق لموعد اللقاء الذي أوَّلهُ استقامة، وآخره البشرى لامحال! وقد أكد الباري"عزّ وجل" قوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} فصلت ٣
https://telegram.me/buratha