رياض سعد ||
بالرغم من زوال حكم الطغمة الصدامية والعصابة البعثية ؛ الا انه لا زالت اثار تلك المرحلة العسيرة تنعكس على الواقع العراقي المعاصر , فقد تسللت عناصر البعث وايتام وازلام النظام البائد الى كافة مفاصل الدولة , فهم موجودون في كل دوائر و وزارات الحكومة العراقية , بالإضافة الى امتهان البعض منهم مهنة المحاماة والانخراط في مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني لاسيما منظمات حقوق الانسان , ناهيك عن سيطرتهم على وسائل الاعلام ومنصات ومواقع التواصل الاجتماعي ... ؛ ويبقى عملهم الاول وهوايتهم المفضلة قتل العراقيين الاصلاء والفتك بهم , ومحاربتهم واقصاءهم وتهميشهم , وتشويه سمعتهم , ومصادرة حقوقهم ... الخ .
وقد عاش المعتقلون في السجون البعثية والمعتقلات الصدامية تجارب رهيبة , ومروا بأوقات عصيبة , تعرضوا في أثنائها الى جميع أنواع الإهانة والإذلال وذاقوا مرارة اصناف العذاب على يد زبانية صدام وجلادي البعث ؛ بحيث لا ينجو من الضرب والإذلال والقهر و الجوع والعطش احد , اذ يتعرض المساجين والمعتقلين للتعذيب وشتى أنواع الاعتداءات في عالم اسود دموي ؛ تحكمه قواعد وحشية وعبثية واعتباطية ؛ غالبا ما تخضع لمزاج التكريتي الارعن والهجين الحاقد والبعثي المجرم والصدامي الجلاد .
و وظيفة هذه المعتقلات تجريد السجناء من إنسانيتهم , واعاقتهم وتدميرهم وسحق كرامتهم , وليس من الممكن لهذا الجيل ان يستوعب حجم المعاناة والالم الذي كان يتعرض له السجناء العراقيين في السجون البعثية الرهيبة ... ؛ هذا فضلًا عن أن الظروف القاسية في السجون تسفر عن معاناة المزيد من السجناء من حالات انهيار نفسي او الاصابة بالأمراض العقلية أو الاقدام على الانتحار ... ؛ وطالما ادى الاهمال الطبي لهم وعدم الاعتناء بصحتهم الى الاصابة بمختلف الامراض الخطرة والمزمنة ... ؛ والكلام في الام وعذابات ومعاناة وهموم واحزان المعتقلين طويل ولا تسعه المجلدات الطوال .
وبعد ان شاعت وانتشرت جرائم النظام البائد , وفاحت رائحته النتنة فيما يخص انتهاكات حقوق الانسان وجرائم الحرب والتطهير العرقي والطائفي , وتداول وسائل الاعلام العالمي لتلك الجرائم والمجازر والمقابر الجماعية وتسليط الاضواء عليها , واتساع دائرة المعارضة العراقية في الداخل والخارج ؛ اضطرت امريكا وبريطانيا لتغيير قواعد اللعبة والتخلي عن عميلهم المدلل ورجلهم المفضل , واسقاط نظام البعث الدموي عام 2003 .
واستبشر العراقيون ومنهم السجناء خيرا ؛ ورفعوا شعارات العدالة والحرية والديمقراطية ونبذ العنف وطي صفحة البعث وصدام والى الابد ؛ وبما ان بعض الدول التي مرت بنفس هذه التجارب السياسية الاليمة ؛ عالجت اثار ومخرجات تلك المراحل السياسية الظالمة بالعدالة الانتقالية ؛ طالب العراقيون الاصلاء من ضحايا النظام البائد ؛ البدء بمرحلة انتقالية تهدف الى تحقيق العدالة ومعالجة الاثار السلبية والمدمرة والتي خلفها نظام البعث الارهابي ؛ اذ ان العدالة الانتقالية ضرورة لازمة لإعادة تأسيس الدولة على أسس شرعية قانونية ومنصفة وتعددية ديمقراطية , لان السير نحو المستقبل يقتضي تصفية شاملة ونهائية لكل نزاعات الماضي واثاره السيئة ونتائجه السلبية ، وهذا يتم عن طريق الأخذ بمفهوم العدالة الانتقالية فهو السبيل الذي يضمن تحقيق العدالة للمظلومين والأنصاف للضحايا العراقيين ؛ ومساءلة ومحاسبة البعثيين المجرمين والصداميين الجلادين وانزال القصاص العادل بحقهم ومصادرة اموالهم التي اخذت بالجور والظلم والباطل من العراق والامة العراقية , وتعويض السجناء والمعتقلين والمهجرين وارجاع اموالهم المصادرة من قبل السلطات الاجرامية اليهم ... الخ .
فهل من المعقول بعد كل هذه التضحيات وهذه الحقائق يصبح وضع البعثيين والصداميين والجلادين والمجرمين والفدائيين أفضل مما كان عليه في عهد النظام البائد ... , ويمسي وضع المعتقلين بهذا السوء و الذين هم اولى من البعثيين وغيرهم في تحقيق مطالبهم المشروعة ...؟؟!!
اذ غضت الحكومات الطرف عن محاكمة البعثيين والصداميين وانزال القصاص العادل بحقهم , بل انها عينت الكثيرين منهم في دوائر الدولة بأوامر امريكية منكوسة ومشبوهة , وسمحت لهم ببيع ممتلكاتهم المنهوبة اصلا من ثروات الامة العراقية , بل واحالة الكثيرين منهم على التقاعد وبرواتب مجزية تفوق مستحقات السجناء والمعتقلين السياسيين، والشهداء الذين قضوا في معتقلات البعث , والى هذه اللحظة لم يعتذر البعثيون والصداميون عن جرائمهم ومجازرهم , ولم يعلنوا تأييدهم للتجربة السياسية الجديدة والعهد الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة , ولم يتعهدوا امام الشعب العراقي بوقف الاعمال المسلحة والارهابية , وان يحترموا الثوابت الوطنية الجديدة ؛ بعد ان ينزعوا عنهم لباس نحن فوق الجميع , ويعلنوا عن تخليهم عن النزعة الفوقية المنكوسة , وان يتخلصوا من جينات الاغتيالات وافتعال الازمات والانقلابات والتصفيات الدموية ضد معارضيهم ومنتقديهم ... الخ .
وعلى الرغم من كل هذه التنازلات من قبل ( غمان وثولان ومخانيث ) الاغلبية العراقية الاصيلة ؛ صرح المجرم خضير المرشدي ممثل حزب البعث في العراق و الذي نشرته صحيفة "إيلاف" بتاريخ 12 نيسان 2013 ؛ بما يلي : (( أن البعث ورجاله والذين هم ابناء العراق واهله لا يبحثون عن مناصب زائلة وجاه زائف . ولن يهدأ لهم بال ولن يستقر بهم الحال الا بتصفية العملية السياسية الحالية وإنهائها وتخليص العراق وأمة العرب من شرورها )) واضاف : (( إن البعث وقيادته وأعضائه وجماهيره في جميع محافظات البلاد لن ينخدعوا بهذه الاجراءات ولن يقبلوا بغير تحرير العراق تحريرًا كاملاً وشاملاً ونهائيًا وتنظيف العراق من مخلفات الاحتلال وتصفية عمليته السياسية و إنهاء النفوذ والهيمنة الإيرانية الصفوية على العراق )) ... , وأضاف قائلاً ايضا : (( إن حزب البعث ومعه شعب العراق يستهزئون ويسخرون مما اشيع عن تعديلات في ما يسمى قانون المساءلة والعدالة في محاولة بائسة وخبيثة للادعاء بأن هناك استجابة قد تمت لبعض مطالب المتظاهرين المحتجين في عدد من المحافظات ... , ووصف الاجراءات الجديدة بأنها "لعبة مكشوفة لتخفيف حدة التظاهرات باغراء البعض وارجاعهم للوظائف والمناصب الوهمية الفاسدة ... , ولغرض إيجاد مبررات للعدوان على المتظاهرين وضربهم تحت حجة أن مطالبهم قد تم تنفيذها )) .
وفي الوقت الذي تصرف فيه الحكومة تقاعدا لقتلة الشعب العراقي ومجرمي البعث وزبانية صدام ، مقدمة تنازلا مشينا عن حق لا صلاحية اخلاقيا لها بالتنازل عنه ، ولا الدستور يخولها هذا التنازل ، يحجب راتب القاضي منير حداد , وتقطع رواتب بعض السجناء بحجج واهية , والان وصل الدور للمعتقلين - ( بحجة انهم مزدوجي الراتب ) – فكل معتقل دون السنة ؛ يستلم منحة شهرية قدرها ( 400 الف دينار فقط ) ولمدة 10 سنوات فقط ؛ ان كان موظفا حتى لو كان راتبه الشهري ( 400 الف دينار ) يعني لو جمعنا الراتبين لما وصل المبلغ الى المليون ؛ وكل المستحقات الاخرى لم يستلم منها شيء قط , فهذه الحكومات تكرم البعثيين والصداميين وتنكل بالمظلومين والمعتقلين .
ولا زالت الاصوات المنكوسة والمشبوهة تتعالى للمطالبة بإنصاف البعثيين ومنحهم الحقوق , واشراكهم في العملية السياسية والتي هي من ألد اعداءهم ... ؛ ونجد في مكان اخر اذ لم تكن نفسها تلك الاصوات المشبوهة تطالب بإلغاء مؤسسات العدالة الانتقالية ؛ والغاء حقوق الشرائح المضحية علما ان اغلب تلك الحقوق لم تطبق ، بالرغم من النظام السياسي الجديد منح البعثيين حقوقا كثيرة لم يحصلوا عليها في زمنهم الاغبر وحكمهم الاسود وتم صرفها بدون تأخير وبنفس الوقت ... ؛ بينما نجد أن هناك تأخيرا في استلام ذوي الشهداء والسجناء والمعتقلين السياسيين والمتضررين من سياسات البعث حقوقهم القانونية بل نجدها في بعض الأحيان مجرد حبر على ورق حيث لم نجد اهتماما حقيقيا من قبل الحكومات السابقة يتناسب مع حجم التضحيات التي قدموها .
ولابد من تذكير حكومة السيد السوداني بضرورة العدول عن قرارات وقوانين الحكومات السابقة فيما يخص قطع منح المعتقلين البسيطة ( من مزدوجي الراتب ) عند اكمال 10 سنين فقط , والاسراع بتسكين المعتقلين واعطاءهم كافة الحقوق والمستحقات التي تضمن لهم الحياة الكريمة فيما تبقى من عمرهم لاسيما وان اغلبهم مرضى ومتعبين ... ؛ وكذلك إعادة النظر برواتب البعثيين و الفدائيين وازلام الاجهزة القمعية الصدامية من الذين كانوا ادوات قمع بيد النظام الدموي ، وان يضعوا نصب اعينهم تضحيات السجناء الابطال والمعتقلين الاحرار ؛ بدلاً من تكريم من تفنن في قتل الرجال الأبرياء وعذب المعتقلين والسجناء واضطهد العراقيين الاصلاء .
ولابد للمعتقلين من وقفة جادة ضد هذا القانون المجحف والمماطلة في اعطاء كافة المستحقات الضرورية للعيش الكريم ؛ واياكم والصمت لان صمتكم يعني الموافقة على تكريم المجرمين والقتلة من البعثيين والارهابين في نظامنا السياسي الحالي وحرمان المعتقلين والمظلومين والمضحين ؛ وطالبوا بإيقاف والغاء رواتب البعثيين والصداميين والارهابيين والطائفيين ؛ فما ضاع حق وراءه مطالب .
https://telegram.me/buratha