طاهر باقر
المعجزة هي خرق الطبيعة ولانرى شيئا طبيعيا يحدث في زيارة الاربعين، ملايين الناس يسيرون في موجة غير متناهية متجهة نحو محيط الحسين، يتجهون بارواحهم قبل اجسادهم نحو المقام المقدس لايأبهون بحر او برد اورصاص، شقت الارواح عن ابدانها وراحت تسير في ركب مع الملائكة تبحث عن اسم الحسين، وترى في المسير وفي كل مكان صورا عجيبة ورايات سوداء مرفوعة، واصوات في الهواء والجماد والنبات وحتى جدران المدينة تصرخ بالحزن الابدي ياحسين، وعلى كل باب راية سوداء تنطق بالقصة العجيبة التي وقعت قبل مايقارب الف واربع مائة عام، احزان تضرب صدور الناس وتصهر قلوبهم وتحولها الى جمرات من نار .
فنحن في مصاب عظيم وحيارى لاندري مانفعل مع حزننا وألمنا فلاشيئ يطفئ جرحنا وحزننا ولاشيئ يسكت وجعنا، يقولون انتم تلطمون على صدوركم ونقول هو قليل، ويقولون انكم تشقون رؤوسكم ونقول قليل، فهذه الروح ملتاعة ولايطفئ هذا الالتياع والوجع الا بلقاء الحبيب وهنا في كربلاء اقام الامام ضيافة عظيمة للارواح الملتاعة.
من حقنا ان نسال هؤلاء الذين يقدمون من كندا واميركا واوروبا هناك في بلادكم عشرات المهرجانات تحدث وبامكانكم المشاركة فيها من دون ان تصرفوا دولارا واحدا وحتى من دون مشقة او تعب فلماذا انتم تتحملون كل هذا العناء والمصاريف الهائلة ومخاطر الطريق وربما تفجيرات داعش في سبيل الوصول الى هذه الزيارة؟.
قصة غريبة لايعقلها كثير ولو تحدثت عنها لاي احد في الشرق والغرب يقول بلا شك ان هؤلاء جاؤوا الى العراق لكي يكسبوا تجارة ويحققوا ربحا ماليا، او لاجل السياحة ، لكنك لو قلت انهم اتوا لزيارة شخص متوفي منذ مايقارب الف واربع مائة عام وربما سيواجهون الموت في الطريق، سيكون من الصعب عليه تصديق كلامك!!
الم اقل ان حكايتنا مع الحسين غير طبيعية وصعبة التصديق بل هي خارقة للطبيعة !!
عشرات الملايين يتجمعون حول مدينة العشق الحسيني كربلاء في وقت واحد هو تحدي كبير ستعجز عن تحقيقه دولة عظمى لديها امكانات هائلة فكيف تستطيع مدينة صغيرة نسبة الى مدن كبرى يقطنها ملاين الناس مثل طوكيو وشانغهاي ودلهي والقاهرة فهذه المدن لديها امكانية استيعاب اكثر من عشرين مليون شخص لكن مدينة كربلاء المقدسة وهي بحجمها الصغير كيف تستطيع استيعاب هذه الاعداد الهائلة من الزوار ؟؟.
ولما اردت البحث عن مدينة في العالم تقدم الخدمات بشكل مجاني، وجدت مدينة مكسيكية تقدم الطعام والمبيت بشكل مجاني بهدف الترويج للسياحة وفي ايطاليا هناك مطاعم تقدم الطعام المجاني للمهاجرين وفي مدينة لوس أنجلوس جرى التفاهم بين 100 متنزه في المدينة لتقديم وجبات طعام مجانية للأطفال والمراهقين خلال فصل الصيف وتهدف المبادرة بحسب المسؤولين إلى ضمان توفر وجبات صحية ومتوازنة للأطفال والمراهقين خلال فصل الصيف.
وبالنسبة الى النقل المجاني فقد لاحظنا ان عددا من البلدان الاوروبية مثل لوكسمبورغ ومدن فرنسية والمانية تطبق بشكل جزئي النقل المجاني بهدف التقليل من تلوث البيئة واستعمال اقل للعجلات الخاصة ونشر ثقافة استخدام المواصلات العامة وحافلات النقل والقطارات بدل السيارات الخاصة!!
مبادرات جميلة لكن هل يمكن مقارنتها بما يحدث في العراق في زيارة الاربعين؟ لايمكن المقارنة لا من ناحية عدد المستفيدين من الخدمات المجانية في زيارة الاربعين ولامن ناحية المناطق والمدن المشاركة في هذا المهرجان الضخم، ولامن ناحية تنوع الخدمات المقدمة، لقد نجحنا في تقديم ارقى صورة حضارية لاكبر تجمع بشري سلمي في العالم، وهذا النموذج هو الشكل المصغر من الدولة الحضارية التي سيقيمها الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.
نحن تمكنا من صنع هذه المعجزة على مدى عشرين يوما او اكثر لكن الامام سياتي لتحقيق هذا المعجزة على مدى ايام السنة كلها فزيارة الاربعين هي نموذج مصغر لما ستكون عليه دولة الامام المهدي من ناحية الخدمات ومن ناحية السمو الاخلاقي ومن ناحية تحقيق العدالة والمساواة بين الناس.
المعجزة لاتحدث فقط على المستوى المادي بل تحدث على المستوى المعنوي بشكل اكبر واول ماتفعله هذه المعجزة انها تقوم بنزع الانانيات من نفوس الناس ويتحول الاشخاص فيها الى عضويات صغيرة ضمن كتلة بشرية يسودها الاخاء والمحبة والتعاون والتكاتف وحب الخير للآخرين.
كل الاديان تسعى الى كبح الانا في النفس البشرية ليتمكن الفرد من تحقيق سموه الروحي، في المقابل نجد زيارة الاربعين تقوم بتحويل الانا الفردي الى انا جماعي يتحول فيه الافراد الى اجزاء من مجموعة تخدم الهدف الجمعي، ولااحد يعرف كيف يحصل هذا التحول العظيم على مستوى النفس البشرية التي هي انانية بالفطرة.
الدول والحكومات تستعد قبل اشهر لاقامة مهرجان اليوم الوطني وتستنفر قواها وامكاناتها وتضع الخطط الامنية للمحافظة على سلامة المشاركين وكل ولاية من ولايات البلاد تستغل امكاناتها الحكومية لاقامة هذا اليوم غير ان زيارة الاربعين اساس عطائها قائم على الجهود الشعبية، واذا اردنا ان نعقد مقارنة نجد ان الحكومات لديها اجهزة ومؤسسات وهياكل تنظيمية للقيام بتلك المناسبات على احسن وجه، ولكن نظرا للحجم الهائل الذي تشتمل عليه زيارة الاربعين ندرك عظمة الانجاز ومستوى التنظيم الذي يتمتع بها مسؤولو المواكب والهيئات الحسينية التي تدير جانبا من هذه الزيارة العظيمة.
وخلال المسير الى كربلاء يجب ان يخلع الزائر من نفسه كل المتعلقات الدنيوية وينفك عن اسرته واصدقائه وعمله ومنزله ويتجه بنفسه وروحه وهو على اتم الاستعداد لاستقبال الشهادة برحابة صدر فهذا الزائر يرى ان الشهادة في هذا الطريق هي اعظم امنية.
وان الطريق الى الحسين هو الطريق الى الحرية والانعتاق من كل القيود التي تفرض على الناس العبودية لملذات الدنيا او قيود الطغاة الذين يفرضون على الناس العبودية وعليهم اظهار الطاعة لهم والسجود لاصنامهم.
فنحن نتحدى بصدورنا العارية كل اجهزة الظلام والموت التي ينشرها الطغاة تحت اسم داعش وغيرها، المعجزة تتحقق عندما تنتصر الصدور العارية على العبوات الناسفة، ولقد حاولوا ايقاف هذه الزيارة عن طريق زرع المتفجرات تحت اقدام السائرين وكان احتمال الموت بعبوة متفجرة لكل زائر هو احتمال كبير، لكن ؛ وبدلا من ان تقل اعداد الزائرين، ازدادوا!! واصبح السائرون متطوعون للموت في درب الحسين وهكذا كسرت ارادة زوار الاربعين العبوات الناسفة ، اليست هذه معجزة الاربعين؟.
اسألوا خدام الامام الحسين عليه السلام ماكل هذا العطاء؟ فانتم لاتبذلون كل هذا التعب في وفاة اقرب المقربين اليكم ،لان خدمة ملايين الزوار هو امر سهل في الكلام او في الكتابة لكنه صعب ومرهق في الواقع وانا على يقين ان كل هؤلاء الذين يقدمون الخدمة يصل بهم الارهاق الى حد لايطاق وهم غير مستعدين ان يقدموا هذا البذل الا في طريق الحسين، مالذي يصبرهم على كل هذا الاذى والارهاق اليست هي معجزة الاربعين؟ .
وفي الوقت الذي نرى الشباب حول العالم ضائع في ملذات الدنيا ولايفقهون هدف وجودهم في الحياة نجد الشباب العراقي يغوص في بحر الحسين من رأس البيشة والفاو وهو متجه الى شاطئ الفرات انهم يحملون رسالة عظيمة حجمها بحجم الكون رسالة نصرة المظلوم ومقارعة الظالمين مثل هؤلاء الشباب لايقدر على مجابتهم اكبر القوى في العالم وكما ذابت قوة داعش امام قوة الشباب العراقي الحسيني فإن اية قوة في العالم ستكون عاجزة امام هذه القوة الهائلة التي يتمتع بها هؤلاء الشباب الذين كسروا داعش ودولتهم التي قالوا انها باقية وتتمدد لم يكن هذا سيحدث لولا معجزة الاربعين العظيمة وروح الشهادة التي زرعتها الثورة الحسينية في قلوب الشباب العراقي.
ومرة اخرى انتصر الحسين على يزيد في العراق فالدواعش هم سلالة بني امية وان ابلغ هدف لهم كان هو تدمير النجف وكربلاء واضرحتهما لكنهم عجزوا لان الحسين لايزال حيا في ضمائر الشباب العراقي الذين توجهوا نحو الجبهات بالملايين بلا خوف من موت او جرح او اسر فدمائهم ليست اغلى من دماء السبط الشهيد وروت كل قطرة من فطرات دماء شهداء العراق شجرة الحرية ليست للشيعة فقط بل لكل الناس الذين يأبون الضيم وهكذا حرر الحسين العراق من جديد بعد ان حرره من قبل من يد الطغاة، ولولا الحسين لكان العراق لايختلف كثيرا عن افغانستان ولكانت داعش قد سيطرت عليه بشكل كامل مثلما سيطرت طالبان على افغانستان.
والآن فليسمع الجميع انه في العراق قوة عظمى لاتملكها اية دولة في العالم ويجب على الشيعة ان يدركوا ان الحسين هو صلب واساس قوتهم وسر عظمتهم وكبريائهم وليفتخروا في انهم كسروا انوف طغاة داعش بينما عجزت البلدان عن مقارعة الظلاميين، لقد حول الامام الحسين عليه السلام العراق الى قوة عظمى ،اليست هذه واحدة من معاجزه العظيمة؟؟؟.
بقلم : طاهر باقر
https://telegram.me/buratha