انتصار الماهود ||
نحن جيل الحرب كما يسموننا أمهاتنا..
نحن جيل الثمانينات الذين أبصرنا النور بالصدفة أو أن حظنا عاثر لنعاصر حربا عبثية سيق لها شباب من بلدنا بعمر الزهور.
ولدت يوم إحتلال قصر شيرين في السادس من أكتوبر عام 1980 و أراد والدي تسميتي شيرين تيمنا بالنصر الذي حققه جنودنا الأبطال ولكن كلمة جدي رحمه الله كانت العليا واسموني إنتصار لاننا انتصرنا على الفرس المجوس كما كان يروج الاعلام البعثي انذاك وطبول حربهم تدق على وتر طائفي مقيت مسموم فحربنا مع إيران مقدسة ونحن العراقيون حماة البوابة الشرقية كما ظننا نحن كشعب وكما قال لنا القائد الضرورة في يوم .
ومضت الأيام والحرب مستعرة بين البلدين الجارين والشباب تعود يوميا من الحرب لكنهم لم يسيروا على أقدامهم بل محملين بنعوش خشبية يغطيهم علم العراق يحملون على أكتاف حزينة لمثواهم الأخير ومضت أشهر وسنوات ولا زالت الحرب تطحن سني أولادنا كما تطحن الرحى حبوب القمح بين قرصيها كنت صغيرة ولم أعِ جيدا ما يحدث حولي فكل ما اراه وانا لازلت طفلة هي توابيت واعلام وصريخ وجيوب مشقوقة وثياب سوداء أينما ذهبت وصدور دامية لامهات ثكلى مثخنات بألم لن يزول.
أي لعنة هذه التي حلت على بلدي؟؟ وما ذنب هؤلاء ليخوضوا حربا لا ناقة لهم فيها ولاجمل.
كيف يتخلصوا من موت محدق وهم الحرب أمامهم و لجنة الإعدامات خلفهم؟؟ فمن يتخلف عن الحرب يعدمه النظام ويستلم ثمن الرصاصة التي أنهوا بها حياته من ذويه.
تمر السنون ولازلنا نسمع في المنزل من ذلك التلفاز العتيق بيانات الحرب التي تمهد لهجوم على أحد النقاط الحدودية بيننا وبين إيران وما أن يصرخ الله اكبر والعزة للعراق ولصدام حتى تتهاوى الامهات على الأرض بكاءا لله طلبا لسلامة أبنائهن ويهرع الرجال الى الجوامع يستغيثون الله تعالى لإخراج فلذات اكبادهم سالمين من هذا الهجوم.
مقبرة وادي السلام امتلأت وتقول هل من مزيد فلدي من الأماكن ما يسع تلك الوجوه الجميلة من شباب العراق ليغفو بين أحضاني فأنا أمهم أولاً و أخيرا وهم سيسكنون بجوار شفيعهم وإمامهم علي عليه السلام فلا خوف عليهم.
لم أنس يوما منظر عمتي وهي تزور قبر ولدها الشهيد أحمد وكيف كانت تذهب كالمجنونة تشكو فراقه اليه وتتحدث معه وتغفو على قبره وكأنه يحتضنها ليزيل المها وتعبها ودموعها..
صادق ومؤيد و علي ومحمد وحسن وحسين والآلاف من الشباب الذين كانت أمهاتهم تزور قبورهم بدل أن تزور بيوتهم وتفرح بهم وبأولادهم.
أي مرار تركت تلك الحرب في أفواهنا وأي دموع تلك التي بقيت محفورة على وجوهنا البائسة؟؟
ما الذي ربحه صدام من خوض تلك الحرب؟؟ وما الذي ربحه الآف الأمهات و الآباء الذين فقدوا أولادهم بين شهيد وأسير ومفقود وجريح وهل يستطيع أن يعود بالزمن للوراء ليتراجع عن عنجهيته وغباءه ويعترف بجريمته بحق شعبه؟؟
ما أقسى تلك السنين الثمان التي نقشت في ذاكرتنا بألمها وحزنها في ذاكرة امهاتنا أعانهن الله كيف استطاعت تلك النسوة أن يتقبلن فكرة فقد ابنائهن ومواصلة حياتهن واكمال رسالتهن حتى آخر لحظة كتب الله لهن فيها الحياة.
رحم الله الارواح البريئة التي أزهقت في هذه الحرب دون ذنب ورحم الله أمهاتنا من توفين منهن.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha