سعيد البدري ||
يميل بنو البشر بطبيعتهم الفطرية الى تقدير ذواتهم ،لكون ذلك احد اهم الحاجات النفسية ،فالبحث عن تقدير المجتمع يقود لتقدير الانسان لذاته ،وما يحقق من انجازات خلال مسيرته في هذه الحياة ،وهو ما يقوده للاحساس بالفخر ،فكل انسان يفخر بما يميزه عمن سواه كرجاحة العقل وارتفاع معدل الذكاء والانجاز العلمي وحتى النجاح في تحقيق امر يراه عموم الناس بالغ الصعوبة ،بالمقابل يميل للابتعاد عن كل ما يشعره بالخزي وما يظهر منه من العيوب ،لذا يسعى الكثيرين نتيجة هذا الميل الفطري لاخفاء ما يعيبهم او التظاهر بنقيضه ليتجنبوا الحرج الاجتماعي ،وما يمكن ان يعلق في اذهان الاخرين عنهم من تصورات سلبية .
في هذا السياق يمكننا القول ان بعضنا ، يفتقر للتوازن اللازم لضبط سلوكياته ،فتجده يتمادى في تقدير قدراته وما يمكن ان يقوم به غرورا وعجُبا بنفسه ،ليقع في تلك المساحة المظلمة التي تكشف جهله ربما ، في اسبانيا واميركا اللاتينية يردد الناس هناك حكماً واقول مأثورة فيقولون في وصف مثل هذه الحالة " ان الإعجاب بالنفس وليد الجهل" ويبدو الامر كما وصفوا حين ننظر لما يحدث في اروقة السياسة و الطرق المؤدية اليها ،ويمتد ليشمل العاملين في المواقع التنفيذية وحواشيهم .
بعض القرارات غير المدروسة التي يصدرها الافراد تنعكس على نظرة المجتمع للحكومة ،ومنها القرار الاخير القاضي بحجب منصة ( التليجرام ) بوصفه قرارا متعجل ، فكل ما جرى تسويقه من مبررات غير صريحة لاقناع المواطن بأهمية هكذا اجراء لم تكن كافية ، لان الحجج والتبريرات تقول ان منصة ( تليجرام ) مخترقة ،وان حجبها كان بسبب مخاوف تتعلق بالأمن الوطني ومن أجل الحفاظ على سلامة البيانات الشخصية لمستخدمي التطبيق في البلاد ،فيما تشير الجهة ذات الاختصاص بتأكيد احترامها حقوق المواطنين في حرية التعبير والاتصال، دون المساس بأمن الدولة ومؤسساتها ، وهنا ينبغي ان يتصرف المعنيون بحكمة وان يسبق مثل هذه الاجراءات المربكة ،حملة تثقيفية تجنب المواطنين الارباكات وتدفعهم لتأمين البديل الملائم ، وحتى مع التسليم بوجهة نظر الحكومة فما يعرفه اهل الاختصاص من خبراء الامن السيبراني يقول ان اغلب التطبيقات المستخدمة هي عرضة للاختراق والامر لا يقتصر على تطبيق او منصة بعينها ، والمفترض هو التحلي بالوضوح بدلا عن اسلوب الصدمة الذي تنتهجه بعض الوزارات وتفرضه دون مراعاة لرأي المواطن ومدى الضرر الذي يلحق به من جراء ذلك .
وللبيان فأن ما نفتقده وسط حالة التخندق والانقسام وأنحياز كل جماعة لما تعتقد به وتتبناه ايدلوجيا ،وما تتنظم في معسكره ، هو النضج فاحتياجنا ،للقرار الناضج المدروس حاجة قائمة وفعلية والامر لا يختص بقرار الحجب فحسب بل يمتد ليشمل العديد من القرارات والاجراءات ،التي تصيب المواطن بالدهشة والحيرة وقد تضعه في ورطة حقيقية ،بسبب تعميمها واقرارها دون تثقيف وتعريف وعرض لمبرراتها الواقعية يسبق اطلاقها للعلن ،وقد يكون هذا الفعل معبرا عن سلوك حكومي نتمنى مغادرته والسعي لمزيد من الشفافية تجاه المواطن ليتمكن من اتخاذ القرار الصحيح الذي يجنبه كل هذا التيه .
اننا امام واقع يجب الحذر منه والتزام سلوك موزون ازائه ،فحين نضع انفسنا بموضع الناقد ،يجب ان يفهم من نخاطبهم بما فيهم مسؤولي الاعلام الحكومي ،ان مقاصده التبصير والتنوير ،لا العداوة والتشهير ،لأننا نعتقد ان مسؤوليتنا الوطنية وتقديرنا لكيان الدولة ينطلق من تقديرنا لذاتنا كونها معبرة عنا كمواطنين وكنخب ،وحين تحدث الاخطاء وهذا وارد جدا وطبيعي ،فالامر يستلزم المعالجة التي نعتقد انها مسؤولية جماعية ، وبدلا عن التراشق الكلامي والخطاب التخويني وسلوك الابتزاز يجب ان يجنح الجميع ،للغة الحوار الهادئ ، بدل فردانية الجهة س او المسؤول ص فذلك ما تعنيه التشاركية التي تؤسس وتقود للاجماع ،والاقتناع التام بأن ما يتخذ من اجراءات ومعالجات ،تستهدف بناء الوطن وخير ابنائه ويجنب الحكومة مطبات التردد والخضوع للضغط بعد اتخاذ القرارات المتعجلة .
يقول الصينيون ( الخبرة هي مشط تعطيه الحياة للرجل عندما يصبح أصلعاً ) وبالطبع نحن لا نتمنى ان تكون القرارات الحكومية وما يترتب عليها من اثار بهذا الشكل الذي يوصف بالمتعجل ،كما لا نتمنى ان تأتي مستنفذة للغرض منها او بعد فوات الآوان .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha