كوثر العزاوي ||
هناك وعلى هامش الطف، ثمة أرواح اناخت برحل الحسين "عليه السلام" بعد أن تركتْ دماء الحسين بصماتها على تلك الارواح، أرواحٌ تجرعت عِظَم المصيبة، ونهشت حرارتها الأفئدة منذ آلاف السنين، ليبقى لهيبها إلى يوم القيامة، فاتخذت من نهجك ياحسين سبيلًا لحريتها واستقامة دينها، فأريقَت دماؤها عشقًا ورضًا في غير حربٍ وسيوف، إنما في غياهب الحقد الصداميّ،
في حقبة كنتَ ياحسين شبحَ رعبٍ أقضَّ مضاجع طاغوت عصرنا الأمويّ الهوى "صدام"، وفي عرصات المواجهة على أرض المقدسات، برزت صفوة من أبناء العراق ليثبتوا أن طف الحسين بدأ منذ الواحد والستين هجريّ، لكنه لم ينتهي، حيث أرَّخ الطف تاريخ العشق والتضحية على جدران الأبدية، وبعين القلب والبصيرة، أبصروا أولئك الأحرار الأوفياء أبعاد الطف بمعانيها السامية، وقرأوا أهدافها النبيلة، ونهلوا من نمير رائدها المعصوم الحسين بن علي"عليهما السلام" فمضوا مناصرين، حتى قضى نحبهم شهداء مضرجين بدمائهم بلا تغسيل ولاتكفين، وكان الغالب عليهم عمر الورود رجالًا ونساءًا شيَبًا وشبابًا ، بعد أن مزقتهم سياط الجلادين إرَبًا ليموتوا في اليوم الف مرة عشقًا في خط العقيدة والنهج الحسينيّ الأصيل، فضلًا عن مجهولية قبورهم، ليرتبط عزاء ذويهم بعزاء آل محمد "عليهم السلام" وتنتهي عند قبرك سيدي ياحسين، لنشمّ عبق دمائهم منبعثة من روضة الشهداء على يمين ضريحك الشريف في أرض كربلاء، عندئذ نستحضر الأرواح التي حلّت بفنائك عاشقة نهجك، وكلنا يقين أنك مَن احتضنَ اجسادهم المقطّعة بسياط ونار حقد جلّاديهم احفاد بنو أمية العصر، ولم يكن لهم يومئذ ناصر ولامعين، وحسبنا عزاءًا ونحن نستذكر ذلك اليوم الذي حضر فيه إمامنا السجاد "عليه السلام" في أرضِ كربلاء لدفن أشلاء أبي الأحرار وأجساد الطاهرين من اصحابه واهل بيته، وكانت اصعب مَهمّة على قلبه "صلوات الله عليه"! ولو تأملنا واقع الحال، أنّ إمامنا السجاد في مثل هذا اليوم، قد غرس بذور عِزة وكرامة وعشق وَشموخ، لتَنُبتَ بعد ذلك وعلى مَرّ السنين، غرسًا حسينيًا يؤتي ثمرَهُ جنِيًّا طيبًا كلّ حين بإذن ربّه، لا يَموتُ أبدا، وسِقاؤها دماء كُلّ عاشِقٍ حُسَينيّ، مع دموعِ جزعهِ الدائم على الحسين وأصحابه الأوفياء ومَن عِشقَ النهج الأصيل،
وحيث أن لكل شيء وزن، إلّا دم الشهيد فهو بميزان الله، لأن كفة الميزان لاتتسع، وذلك لشرف عطائه، وفنائه في الله!!
فللهِ دُرّ أجسادٍ تُدفن دون تغسيلٍ وتَكفين، وحسبهم شرفًا ليواسوا الحسين "عليه السلام" وأصحابه،
فالشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم، وعبق دماؤهم يشير إلينا: مكتوبًا على بوابة الحياة: انّ من عشق الحسين، سبيلُهُ الفناء، ترى! أي فناءٍ ذاك الذي يورث الخلود!!حيث مشيئة الله التي لن تبارحهم حتى تعرّفنا مقامهم يوم الظهور المقدّس، يوم أخْذُ الثأر من قاتلي أبي عبدالله الحسين "عليه السلام"
وإلى ذلك اليوم، نبقى على أمل ذكراكم، بأبي أنْتم وأُمي طِبْتُم وطابت الأرض التي فِيها دُفِنتُم وفزتم فوزا عظيما.!
١٤- محرم ١٤٤٥هج
٢-٨-٢٠٢٣م
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha