حليمة الساعدي ||
قبل حوالي عقدين من الزمن كنا نبتهل الى الله ان تسقط دولة الشيطان وتقام على انقاضها للرحمن دولة، يحكم فيها العُبّاد والزُهّاد ومن قارعوا النظام البعثي وتمت ملاحقتهم فنجا من نجا وقتل من قتل صبراً في سجون ومطامير صدام المتنوعة بأسمائها وانواعها واشكالها فلكلٍ درجات من التعذيب ولكلٍ اسلوبه المختلف عن الاخر في التحقيق، ولا يهم ان كنت بريئا ام متهم مادمت قد دخلتها فلابد من تذوق الوان وصنوف العذاب فيها فالداخل مفقود والخارج مولود.
وعلى اية حال فجميع الشعب الشيعي والكردي في زمن ابن العوجة مغضوب عليه وهو في دائرة الاتهام والشك وتحت طائلة التجسس من قبل الرفاق الذين اصبحوا ادباء من كثرة كتابة التقارير اليومية المفصلة عن
من يشكُّون بسلوكه وولائه للبعث وقائده المفدى.
ولا اعتقد ان احداً ممن عاصر الحقبة الصدامية لا يتذكر الجملة الاكثر شيوعا آن ذاك (الحيطان الها ذان) فأصبح المواطن يشك باقرب الناس اليه ولا يبوح بمدى كرهه لذاك النظام الحاقد.
وجاءت لحظة انكسار النظام وهزيمته امام الضربات الامريكية الموجعة في سنة ١٩٩١ واقتنصت الجماهير المضغوطة هذه الفرصة فانفجرت مرة واحدة وفي جميع محافظات العراق عدى المحافظات ذات الطابع السني فكانت الانتفاضة الشعبانية العفوية وكاد اللعين ان يسقط بيد الثوار لولا ان الشيطانة امريكا تدخلت لحمايته والابقاء على حكمه. هنا ساتوقف وافصل بأعتباري شاهد حي على تلك الحقبة الزمنية.
اولا.. امريكا استخدمت صدام عربة لتحمل عليه بضاعتها وتُسوّق مشروعها الاستعماري في ما اسمته ب(الشرق الاوسط الجديد) فبعد ان شجعته على دخول الكويت واعطته الضوء الاخضر لأحتلاله كانت هي نفسها امريكا اول الصارخين والمدافعين عن الكويت واهله فاعلنت منذ تلك اللحظة نفسها شرطي الخليج وجاءت بآلة حربية وبوارج وطائرات فاقت ما كان منها في الحرب العالمية الثانية وتحالفت مع ٣٢ دولة اوربية وامريكية وحتى دول عربية كلها تعاضدت ضد العراق وهجمت هجمة واحدة فسحقت جميع منشأته الحيوية وخصوصا محطات توليد الطاقة الكهربائية والاتصالات والمعامل وحتى المستشفيات بضربات جوية موجعة لم تبقي ولة تذر.
فكان هذا جزء من استراتيجيتها الاقتصادية الخمسينية تجاه العراق.
ثانيا.. امريكا لم تأتي للخليج بهدف انساني ولا يهمها تحرير الكويت ولا يشكل في حساباتها الدولية اي رقم لكنها جاء من اجل احتلال العراق،
فلو ان ابناء الانتفاضة الشعبانية نجحوا في تغيير الحكم وازاحة نظام البعث وتشكلت حكومة وطنية من ابناء الوسط والجنوب خصوصا وان تلك الحقبة كانت نقية من الشوائب والعوالق واقصد( العملاء والفاسدين) فما مصير امريكا وبوارجها وطائراتها وما هو دورها، ثم انها وجميع من تحالف معها قبضت الثمن مقدما لمعاقبة العراق، ولا شك ان اجنداتها على العراق حكومة وشعبا ستفشل وتعود بخفي حنين وهذا ما لاتقبله لا هي ولا الدول الطامعة التي تحالفت معها.
ثالثا.. ان لدول الاستكبار استراتيجيات بعيدة المدى تنفذ بدقة متناهية وذكاء خارق بمراحل مترابطة كحلقات متسلسلة فالحلقة الاولى استدراج صدام بالدخول في حرب طويلة الامد مع الجارة ايران الهدف منها اضعاف الشعبين وقتل اكبر عدد ممكن من ابناء الطائفة الشيعية التي تمثل خط الممانعة للتطبيع ولكل المخططات الصهيوامريكية.
الحلقة الثاني سيناريوا حرب الخليج التي ورطت به حكومة البعث الدموي بدخول الكويت وكان مثله كمثل بقرة حلوب ادخلت رأسها في جرة ولم تقدر على اخراجه فصار من السهل جدا السيطرة عليها وقيادتها باي اتجاه،
الحلقة الثالثة خيمة صفوان وما تلى ذلك الاجتماع التأمري على العراق فقد وهب الملك مالم يملك فلم تسلم حدود ولا موارد ولا اموال كلها صار تحت تصرف الامريكان بغطاء اسمه عصبة الامم المتحدة التي حكمت على العراق بأحكام جائرة
اولها.. جعل موارده تحت طائلة البند السابع وفرض حصار جائر استمر خمسة عشر عام بلا كهرباء ولا ماء ولا مصانع ولا معامل ولا تبادل تجاري ولا ادوية ولا حظارة اصبح العراق في عزلة تامة في ذات الوقت كانت امريكا واوربا تعد رجالاتها منن اللاجئين العراقيين وتدربهم وتهيئهم ليصبحوا حكام العراق وزعمائه وسياسييه الجدد وطبعا هم جميعهم مزدوجي الجنسيات والمصيبة ان ولائهم الحقيقي للدول التي لجأوا اليها في اوربا وامريكا وليس للعراق.
وثانيها.. مرحلة ترسيم حدود جائر ومستفز مع جميع الدول المجاورة وخصوصا السعودية والكويت والاردن،
الحلقة الرابعة هي مرحلة مابعد ٢٠٠٣ والتي قررت فيها امريكا وحلف الناتو اسقاط النظام لأنتفاء الحاجة ولأنه اصبح ورقة محروقة ولم يعد له اي دور فقد اوصلهم للمرحلة المطلوبة وهي احتلال العراق .
ونحن اليوم نعيش ضمن استراتيجية المرحلة الرابعة اي مرحلة مابعد نظام البعث، مرحلة الاحتلال الامريكي للعراق. وهذه هي اسوأ المراحل على الاطلاق فقد بدأت منذ دخول اول دبابة معادية للعراق ودخلت معها الشخصيات التي كانت تناضل على شواطئ فلوردا ونوادي واشنطن وحفلات الشواء في دول اوربا الجميلة.
لقد عانى المناضلون هناك معانات كبيرة وهم يتلقون الرعاية الخاصة من دول المهجر من سكن ورواتب وافخر المدارس والجامعات لأولادهم حيث الطبيعة الخلابة والتكنلوجيا الفذة والانظمة الآمنة.
مساكين كانو يعانون من شدة الراحة والامان والترف. وتركوا لنا القرف نتجرعه على ايدي جلاوزة النظام الصدامي المريض فلا كهرباء ولا ماء ولا دواء ولا عمل ولا امن ولا امان. بعد ٢٠٠٣ دخل مناضلي الخارج في صراع مع مناضلي الداخل، وصار كل طرف يتهم الاخر بالعمالة فالداخليون يتهمون الخارجيون بالعمالة لكونهم جائوا على ظهر الدبابة الامريكية وان ولائهم ليس للعراق بدليل ان عوائلهم ماتزال تسكن في دول المهجر، والخارجيون يتهمون الداخليون بالعمالة كونهم جميعاً بعثيون وانهم صفقوا لصدام كثيرا وقالوا فيه الشعر والنثر.
وفي النهاية فقد اتفق الطرفان على تقاسم السلطة وتقاسم الكعكة وتقاسم المغانم والشعب يتفرج بحسرة وانتظار صعب، علّهم يتفقون على رأي واحد وينهضون بهذا البلد وفعلا فقد اتفقوا وشكلوا مجلسا للحكم نسبة الخارجيون فيه ٨٥ بالمئة و١٥ بالمئة من مناضلي الداخل وجميعهم موظفين عند الحاكم الامريكي المدني (بول بريمر) فكانت جميع المشاريع والانجازات تمر عبر بريمر ولكم ان تتخيلوا هل يخرج قرار او مشروع وطني حقيقي يصب في مصلحة العراق. وهل تسمح امريكا بذلك.
لقد خرج الدستور العراقي والجمعية الوطنية وقانون ادارة الدولة سيء الصيت وقانون المحاصصة الذي ضيع العراق وفتت شمله والبرلمان بجميع دوراته من تحت عبائة بريمر فلا تنخدعوا يا عراقيين بمناضلين الخارج ولا بمناضلين الداخل الكل غمس كفه في اناء البيعة والولاء لمصلحته الشخصية والعراق آخر همه. ولم يتبقى امامكم سوى محور المقاومة والحشد الشعبي فالتفوا حولهم وتمسكو بهم فهم قارب نجاة الامة
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha