الدكتور محسن القزويني
خُلق الإنسان وخُلقت معه حقوق لا يستطيع الاستغناء عنها لأنها هي طريقه الى الحياة وبدونها لايستطيع العيش، وقد سمى الفلاسفة هذه الحقوق بالحقوق الطبيعية وهي التي لاتعتمد على قوانين أو أعراف خاصة لاية ثقافة معينة، فهي عالمية وغير قابلة للتصرف، و لا يمكن الغاءها أو تحديدها مِن قبل القوانين البشرية.
ومِن الذين ناقشوا الحقوق الطبيعية الفيلسوف هوبز (1588-1679) الذي رأى أن الحقوق الطبيعية تولد مع الانسان وأن منشأها المنطق حيث يحرم على الانسان ان يفعل مِن الأشياء ما هو مدمِّر لحياته فهناك حدود لتلك الحقوق.
وهذا أيضاً ما رأه جون لوك (1632-1704) حيث قسم الحقوق على ثلاثة أصناف حق الانسان في الحياة وحقه في الحرية وحقه في التملك ، فان حقه في الحرية لابد ان لا يتعارض مع حقه في الحياة ، كما وان حقه في التملك لابد ان لا يتعارض مع حقه في الحياة وحقه في الحرية.
وبخصوص حقوق المرأة فهي أيضاً لها حقوق كما للرجل، حقها في الحياة وحقها في الحرية وحقها في التملك فقد أقرت جميع الشرائع هذا الحق بلا استثناء ومنها الإسلام حيث قال سبحانه وتعالى (والله خلقكم من تراب)( )، حيث تتساوى المرأة مع الرجل في القيمة الإنسانية، فهما خلقا مِن طينة واحدة فلا فرق بينهما في الأصل والفطرة ولا في القيمة والأهمية.
لكن بلحاظ الفوارق الجسدية والنفسية بين الرجل والمرأة ظهرت بعض الحقوق للمرأة دون الرجل وأيضاً حقوق للرجل دون المرأة، وهذا لايعني التقليل مِن شأنها . وقد قال سبحانه وتعالى (وليس الذكر كالانثى)( ).
إذ أن مِن الحقوق الطبيعية للإنسان العدل ، فعندما يتدخل العدل في قائمة الحقوق يجعل للمرأة حقوقاً خاصة بها كحقها في الانجاب والرضاعة وحضانة الأولاد، ويعطي الرجل حقوقاً خاصة به كحقه في الولاية والقوامة في الاسرة منعاً مِن تفككها و انحطاطها، وهي حقوق طبيعية في الرجل باعتباره واجب النفقة التي تفرض عليه، وبقية المسؤوليات التي يُكلف بها لصالح الزوجة والأولاد.
وثيقة الأمم المتحدة في حقوق المثليين والمثليات:
نشرت الأمم المتحدة وثيقة تحت عنوان الناس يولدون أحراراً ومتساوين (الميل الجنسي، والهوية الجنسانية في القانون الدولي لحقوق الإنسان) جاء في مقدمة الوثيقة بقلم نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان:
إن مسألة توسيع نطاق الحقوق التي يتمتع بها الجميع لتشمل المثليات والمثليين وثنائي الميل الجنسي ومُتغيري الهوية الجنسانية ليس بالمسألة المتطرفة ولا المعقدة، وترتكز هذه المسألة على مبدأين أساسيين يقوم عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وحددت الوثيقة خمس خطوات لتحقيق حقوق هذه الشريحة الاجتماعية وهي:
الخطوة الأولى: حماية الأشخاص مِن العنف القائم على كراهية المثليين جنسياً ومتغيري الهوية الجنسانية.
الخطوة الثانية: منع تعذيب المثليات والمثليين وثنائي الميل الجنسي ومُتغيري الهوية الجنسانية.
الخطوة الثالثة: الغاء القوانين التي تحرِّم المثلية الجنسية، بما في ذلك القوانين التي تحظر السلوك الجنسي الخاص بين البالغين مِن نفس الجنس بالتراضي.
الخطوة الرابعة: خطر التمييز على أساس الميل الجنسي والهوية الجنسانية، وسن قوانين شاملة تتضمن الميل الجنسي والهوية الجنسانية كأسباب محظورة للتمييز، وتوفير التثقيف والتدريب لمنع التمييز ضد المثليات والمثليين.
الخطوة الخامسة: صون حرية التعبير وتكوين الجمعيات والاجتماع السلمي للمثليات والمثليين وثنائي الجنس، ومتغيري الهوية الجنسانية ومزدوجي الجنس، وحماية الافراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير وتكوين الجمعيات وحرية الاجتماع مِن أعمال العنف والتخويف مِن جانب الأطراف الخاصة ( ).
مناقشة وثيقة الأمم المتحدة
بلا ريب أن ما جاء في الوثيقة يتعارض مع الحقوق الطبيعية للمرأة من عدة جوانب منها:
1- مساواتها مع الرجل، فهناك فوارق طبيعية بين الرجل والمرأة هي مِن الطبيعة الجسمانية والنفسية لكل منهما لم تلحظها وثيقة الأمم المتحدة، فهي ليست جزءً مِن حقوق المرأة، بل تتعارض وتتضارب مع حقوقها الأصلية في الأمومة وتربية الأبناء.
2- ليسَ للمثليات وللمثليين حقوقا خاصة بهما ؛ لان المثلية هي حالة تتناقض مع الطبيعة البشرية التي خلقهما الله ذكراً او انثى.
3- كل شيء في الوجود يتشكل مِن الثنائية، وقانون الزوجية في الكون يشمل الإنسان أيضاً فهناك ذكر وانثى، والعلاقة الطبيعية هي التي تقسم بين هذين الطرفين وليس العكس. فعلاقة الذكر مع الذكر والانثى مع الانثى هو نقيض للمعادلة الكونية وهي الزوجية التي نشاهدها في أكبر شيء وهو المجرات وحتى اصغر شيء وهو الذرة..
4- اول مؤسسة انشأها الانسان هي الاسرة وهي تركيب مِن الزوج والزوجة والأولاد بدونها لا تستقيم الحياة ولا تستمر، ولولا وجود الاسرة لما كنا اليوم نعيش في هذه الحياة.
وحتى المثليين والمثليات هم نتاج لقاء الذكر مع الانثى ولا شيء غير ذلك.
5- يحاول العلم الحديث أن يستغني عن الرحم والمبيض في انتاج النطفة التي هي منشأ الانسان، لكن لايستطيع العلم أن يتخطى الزوجية والتي بدونها لايمكن انتاج النطفة التي تنشأ مِن لقاح خليتين.
6- كل الذين تناولوا موضوع المثلية والجندرة، أقروا بحقيقة ثابتة هي: لابد مِن وجود ثنائية؛ زوج وزوجة لاستمرار الحياة لكنهم في دعواهم يعكسون هذه القاعدة، وهذا هو مكمن التناقض في ارائهم.
اثر المواثيق الدولية في هدم بناء الاسرة:
كان للمواثيق والاتفاقات الدولية التي تمخضت عن مؤتمرات الأمم المتحدة والتي انعقدت تحت شعارات التنمية والسكان والمساواة بين الرجل والانثى كان لها التأثير السلبي على الأسرة وعلى العلاقة غير السليمة بين الآباء والأبناء وبالعكس.
وفيما يلي اثر هذه الاتفاقيات على الأسرة:
1- رفع سن الطفولة، ففي اتفاقية حقوق الطفل (CRC) التي أصدرتها الأمم المتحدة فِي 1989 تم تقدير سن الطفولة حتى الثامنة عشرة الأمر الذي أدى الى قيام الكثير مِن دول العالم برفع سن الزواج حتى سن 18 سنة.
2- اباحة الزنا قبل عمر 18سنة ففي الوقت الذي شددت اتفاقية حقوق الأطفال أن يكون سن 18 الحد الأدنى للزواج، اباحت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة في تقريرها المقدم في تركيا سنة 2005 العلاقة الجنسية قبل هذا العمرعندما طلبت من الدول بإعادة النظر بتجريم العلاقات الجنسية الرضائية بين الشباب المتراوحة أعمارهم مِن 15-18.
3- الاعتراف بالمولودين خارج نطاق الزواج، فإذا أنجبت المرأة وفقا لاتفاقية سيداو مِن خلال علاقة جنسية غير مشروعة فهي وطفلها يحصلان على الحقوق نفسها كما للزوجة الشرعية حقها في النسب والإرث.
4- الصحة الإنجابية تحت هذا المسمى الذي ورد في وثيقة مؤتمر القاهرة و بكين دعت الامم المتحدة دول العالم الى رعاية شؤون المراة وهي في حالة الانجاب ، ومنح قرار الانجاب بيد المرأة فمن حقها هي وحدها أن تحدد موعد الانجاب ومتعلقاته مِن استخدام حبوب منع الحمل او القيام بعمليات الإجهاض للتخلص من الجنين.
5- يمنع تجريم العلاقات الجنسية المثلية الرضائية كما ورد في الخطوات الخمسة التي أعلنت عنها الأمم المتحدة في وثيقة أغسطس 2012 ، كما وردت كلمات الدفاع عن الزواج المثلي على لسان المسؤولين. وكان آخر تصريح لوزير خارجية الولايات المتحدة انتوني بلنكن في مقابلة مع صحيفة بوليتيكو: إنه سيُثير قضية حقوق مجتمع الميم في اجتماعاته مع المسؤولين السعوديين دائماً في كل محادثة.
6- الغاء تجريم العمل في أماكن البغاء.
إصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA تقريراً ركزَّ فيه على الغاء اي قرار حكومي يضع اشكالا على العمل في البغاء. ووصف البغاء بأنه عمل مِن الأعمال الحرفية للمرأة.
ومنح العاملات في دور الدعارة الضمان الاجتماعي والصحي. فمن خطابات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الى المؤتمر الدولي للإيدز المنعقد في مكسيكو سيتي في أغسطس 2008 : في معظم البلدان يظل التميز قانونياً ضد المشتغلين بالجنس ومتعاطي المخدرات، والرجال الذين يمارسون الجنس مع الرجال ... وهذا يجب ان يتغير . وأردف قائلاً مِن ضمن الاخلاق عدم حماية هذه المجموعات.
انهيار الاسرة في المجتمعات الغربية:
لقد فعلت هذه الاتفاقيات والمواثيق فعلها في المجتمع الأوربي حيث كشف (مكتب الإحصاء الوطنية) ارقاما مخيفة عن وضع الاسرة في بريطانيا اذ بلغ معدل الطلاق في 2012 ، 42% فهناك 13 حالة طلاق كل ساعة في إنكلترا وويلز وفي أمريكا 53% مِن الزيجات تنتهي بالطلاق وفي السويد بلغت النسبة 64% وفي بلجيكا 70% حيث تضاعف عدد حالات الطلاق بين 1965 و 2013 في بلدان الاتحاد الأوربي الى 28 مرة.
وبسبب حالات الطلاق ارتفع عدد الاسر وحيدة الوالدين بنسبة تتراوح 25% أي حوالي 2 مليون اسرة.
ووفقاً للارقام الحكومية فإن ما يقرب مِن نصف مَن أعمارهم 15 سنة في البلاد لا يعيشون مع والديهم بشكل طبيعي وهذا يعني أن مِن مجموع ثلاثة هناك طفل واحد يكبر مِن دون أب.
وأظهر معهد الأبوة في بريطانيا أنه عندما يبلغ الطفل 16 عاماً مِن عمره فإن (1 من كل 6) أطفال لا يرون والدهم على الإطلاق.
وأما إحصاءات العزوف عن الزواج ، ففي الدول الاسكندنافية لا تتراوح نسبة المقبلين على الزواج سوى 30% بينما تنخفض هذه النسبة الى 20% بالنسبة للنساء اللواتي تتراوح اعمارهن بين 25 و 29 عاماً.
ومع انخفاض نسبة الزواج إزداد ما يطلق عليه بالسكن المشترك (الأزواج الذين يعيشون معاً خارج اطار الزواج) ففي بريطانية وحدها هناك 3,3 مليون حالة يعيش فيها الذكر والانثى معاً خارج نطاق الزواج.
ونتيجة لذلك برزت مشكلة الأطفال الذين يولدون خارج إطار الزواج فقد بلغت نسبة هؤلاء الأطفال 42% في الاتحاد الأوربي عام 2014 وهي في تزايد مستمر إذ بلغت النسبة في فرنسا 59% وفي السويد 55% وفي الدانمارك 56% أما في بريطانيا فحسب مكتب الإحصاء الوطني فقد بلغ المعدل 47% بينما كانت النسبة عام 1940، 6% .
اما في أمريكا فقد نشرت جامعة جون هوبكنز الامريكية تقريراً عام 2012 حول الإنجاب خارج إطار الزواج ورد في التقرير : إن 57% مِن الآباء والامهات الذين تتراوح أعمارهم بين 26-31 انجبوا أطفالاً خارج إطار الزواج.
وهذا يعني نهاية الاسرة في الحضارة الغربية.
ومع انهيار الاسرة وتفككها ما الذي يمسك بالمجتمع ويحافظ على القيم والمثل.هذا الاعصار الذي تحدثنا عنه في الحلقة الأولى فكيف سنواجهه في بلادنا.
يتبع في الحلقة الرابعة
https://telegram.me/buratha