( بقلم : فالح غزوان الحمد )
منذ عام أو يزيد جاورني أخ اشترى بيت جاري السابق و لم يمضِ وقت طويل حتى أدركت أنه من أتباع التيار الصدري و بما أن المنطق و العقل و حسن الظن يقدمّ بديهية ثابتة أن ليس كل من انتمى لهذا التيار أو عمل في المليشيات شخص سيء بالضرورة فقد يكون شابا غرا تم خداعه بالشعارات و غُرِّر به فراح يحمل سلاحه ظنا منه انه في سبيل خدمة بلده و الدفاع عن شعبه ، فما بالك إذا كان قد انسحب و نأى بنفسه عن المليشيات و انهمك باستغفار طويل تائبا لله مما اجترحه من ترهيب و إرعاب للناس و إيقاع الخسائر البشرية و المادية دون مبرر و لا مشروعية .. بلا شك أن مثل هذا الشخص يستحق أن يحتضنه العراقيون و لا يهم أن بقي مؤيدا لمقتدى الصدر طالما قد آمن بأمرين الأول أن المليشيات وبال على المجتمع و سلبياتها أكثر من أي إيجابيات يختلقها البعض و أنها مصدر لشرذمة الصف الواحد و دق إسفين التناحر بين أفراد المجتمع و حتى من ينتمون إلى مذهب و طائفة و منطقة واحدة .. أما إيمانه بحزب أو مرجعية سياسية فهذا ما يكفله له الدستور و الوضع العراقي السياسي الجديد المختلف تماما عما سبقه منذ تشكيل الدولة العراقية الحديثة . و الثاني أنه على قناعة تامة بأن ما يراه حقا لنفسه لا يؤخذ بالقوة و التسلط و التخريب بل بالعمل السياسي البناء و لا بأس بالمعارضة فهي وليد شرعي للنظام الديمقراطي إذ من الضروري أن تختلف الآراء و تتباين وجهات النظر و تتقاطع الرؤى و لكن في المحصلة تلتقي الحكومة و المعارضة على غاية واحدة هي بناء الدولة و تقوية مؤسساتها و هذا ما نراه في الدول الديمقراطية المتقدمة في تجربتها السياسية .
جاري هذا تائب لله مما كان منه في وقت مضى و الله يتوب على عباده ما نصحوا في توبتهم و صدقت نواياهم . و لكنه متمسك بولائه للتيار الصدري سياسيا و هو حق مكفول له و لغيره أن يدينوا بالولاء للحزب الذي يرون و الجهة التي يقتنعون بها . لهذا كان جدالي و حديثي و اختلافي مع هذا الجار يتمحور حول القضايا السياسية و لا نتطرق لموضوع المليشيات و جيش المهدي و الجماعات الخاصة و غير ذلك فكلانا متفق في الموقف و إن بقي موقف جاري المذكور منطويا على شيء من الضبابية و التناقض لكنه على أية حال شيء من ضبابية شفيفة و تناقض معقول و مقبول بالقياس لكم التناقضات العنيفة و الهائلة في عراق اليوم ، قد يفسر البعض ذلك بكونه نفاقا و قد كان عندي أنه نفاق لا قيمة له إلا ما كان بين هذا الجار و بين ربه . دارت أحاديث كثيرة بيننا و استجدت كما تستجد قضايا الساعة السياسية و أشد ما جذب انتباهي هو الموقف لهذا الصدري و مجموعة من أصدقائه المقربين منه تجاه نوابهم في البرلمان .. موقف قاطع في المولاة و التصويب و التبرير و كأن هؤلاء النواب على درجة من العصمة لا يصلها عباد الله المذنبون .. و لكن الغرابة تأتي صاعقة ماحقة حين يتخبط هؤلاء الأخوة تخبط مواقف نواب التيار في محاولة لتبرير مواقفهم و تصريحاتهم و بشكل ينطوي على العجب العجاب .
في خضمّ الأحداث التي جرت قبل أسابيع كنت أنقل تصريحات بعض النواب التابعين للتيار الصدري فكان صاحبي يقرّ بعضها و ينكر البعض الآخر و يؤول كما يشاء بعضا ثالثا . ما ينكره كنت أقوم بإحالته إلى المصادر الصحفية و القنوات الفضائية و المواقع الخبرية على الانترنت التي أوردت تصريح هذا النائب أو ذاك و فاجأتني طريقة صاحبي الصدري في الرد على ذلك بإنكار أن يكون فلان الذي صرّح ممن يملك تخويلا للتصريح باسم التيار .. بدأ الأمر على ما أذكر مع سلام المالكي ثم مع عبد الهادي الدراجي و مرورا ببعض النواب و النائبات و انتهاءً ببهاء الأعرجي و نصار الربيعي و راسم المراوني و فلاح شنشل .. وقد خرجت بحقيقة تقول - إذا ما جعلنا هذا الأخ و مجموعة من أصدقائه نموذجا لأتباع التيار - إن كل هذه الأسماء ليست لها علاقة بالتيار الصدري و ليست مخولة بالإدلاء بأية صريحات و مواقف تعبر عن مقتدى الصدر هذا في لحظة ما و في لحظة أخرى فهم مخولون و ممثلون حقيقيون و نزيهون و وطنيون مخلصون على عكس الجميع الذين لا يمثلون أحدا و ليسوا من الوطنية في شيء و .. الخ .. ! تصورت في البداية أنها مجرد قناعات شخصية لهؤلاء و ليس لنا تعميمها على الآخرين أو على الأكثرية من الصدريين و لكن مع الوقت و بلقاءات متكررة مع أشخاص لا يشك بولائهم للصدر انكشفت أمامي أن تلك الحقيقة بالفعل هي حقيقة و ليست شيئا آخر .
بعد موقف بهاء الأعرجي الأخير حيث صرّح لقناة البغدادية بالقول إن من الأفضل أن تذهب كركوك للأكراد و هو ما يتناقض مع الموقف المعلن للتيار الصدري جملة و تفصيلا و مع تسرّب معلومات مؤكدة أن هذا الموقف تم شراؤه مقابل منزل فخم له في منطقة كنسنغ تاون المتاخم لحديقة الهايد بارك المشهورة في وسط لندن القريبة من وست منستر ومن بناية البرلمان الانكليزي بمبلغ 650.000 ألف باون و العهدة على الراوي فإن الصدريين بدءوا بحملة يقودها المستشار الإعلامي لمكتب الشهيد الصدر راسم المرواني تحاول إقناع أتباعهم بأن هؤلاء النواب إنما صعدوا و تم ترشيحهم دون علم الصدريين و لم تكن بدراية السيد " القائد " ، وكل هذا ضحك على الذقون و تزوير للحقيقة التي تنطق بأن هذه الأسماء تم ترشيحها بموافقة مباشرة من مقتدى الصدر استغرقت حولها المفاوضات وقتا ليس بالقصير و بعلم الجميع و كانت أسماؤهم على الألسنة مبجلة لها و جاعلة منها أساطير وطنية مخلصة وقد سبق لبعض أطراف الائتلاف العراقي الموحد الاعتراض على جملة من تلك الأسماء لأسباب مختلفة منها يتعلق بخلفياتهم البعثية و سيرتهم غير السوية و لكن تم تجاوز ذلك لصالح وحدة الصف و سير العملية السياسية .
إن التيار الصدري كما تزداد القناعة به يوما بعد آخر تيار من الفوضى و لا يرجى له إصلاح و صلاح ما دامت العقلية التي تسيره هي هي و أسلوبه في التعاطي ينطوي على ذات المنوال من النفاق و الخداع لأتباعه قبل غيرهم و سيبقى هذا التيار نموذجا لأردأ عملة سياسية عراقية مطروحة حاليا و سيعاني من التصحر و الذبول و الخفوت مع الوقت لأن المزاج المجتمعي العراقي لا يستسيغ مثل هذا التعاطي و الأسلوب في إدارة الأمور السياسية .
https://telegram.me/buratha