( بقلم : علي سعيد)
هل تعرفون لماذا قدم وزير الخارجية الكندي قبل بضعة ايام استقالته من منصبه؟..اغلب الظن ان الكثيرين لم يطلعوا على حيثيات الخبر وتفاصيله حتى يعرفوا اسباب استقالة الوزير المذكور.قدم الوزير الكندي استقالته لانه ترك ملفا سريا في مكان غير امن!، وهو ما اشعره بالتقصير وعدم الحرص واللامبالاة، واراد ان يعاقب نفسه قبل ان يعاقبه الاخرون.
لاشك ان الكثيرين من العرب حكاما ووزراء ومسؤولين كبار سيضحكون ملء اشداقهم على تلك الحادثة "النكتة"!، لانه لايوجد في قاموس السياسة والثقافة العربية، ومن ضمنها السياسة والثقافة العراقية شيء اسمه الاستقالة كتعبير عن الاعتراف بالخطأ والتقصير. كيف يترك زعيم او وزير او مسؤول رفيع المستوى منصبه وهو يرى فيه مكسبا فريدا وانجازا حققه بشق الانفس وبأساليب وحده الله يعلم ماهيتها.
اذا كان وزير الخارجية الكندي قد قدم استقالته لانه ترك مجموعة اوراق ذات طابع سري وخاص على طاولة في احدى الغرف التي من من المحتمل ان يدخلها موظف عادي ويطلع على مجموعة الاوراق، فأن كوارث انسانية وسياسية وازمات ومشاكل كبيرة جدا لايمكن ان تدفع مسؤولا عربيا في موقع ما يرتبط بحياة الناس ومصالحهم وهمومهم وشؤونهم وشجونهم الى الاستقالة والتنحي.
واذا كان العرب من اصحاب المواقع العليا يضحكون ملء اشداقهم على خبر استقالة الوزير الكندي بأعتباره نكتة، فأن العراقيين ومعهم اعدادا غير قليلة من العرب الذي قد يعشيون ظروفا واوضاعا مشابهة في جوانب منها لاوضاع العراقيين ضحكوا كثيرا حينما اطلعوا على الخبر من باب "شر البلية ما يضحك"، حيث انهم لابد ان يكونوا قد عقدوا مقارنات سريعة بين وزير الخارجية الكندي والاسباب التي دفعته الى تقديم الاستقالة، وبين الوزراء المعنيين بحل ومعالجة جزء من مشاكل الناس اليومية التي لايمكن للحياة ان تستقيم وتستمر بوجودها على طول الخط.
واغلب الظن ان السيد وزير الكهرباء العراقي ووزارته العتيدة كانا الرقم الرئيسي في الطرف الاخر من معادلة المقارنة مع الوزير الكندي، خصوصا وان حملة الغضب والاستياء والاحباط من وزراء الكهرباء بلغت في الايام الاخيرة الماضية ذروتها حيث ارتفعت درجات الحرارة الى معدلات عالية، ومازالت وزارة الكهرباء عبر وزيرها وكبار مسؤوليها، تسوق المبررات والحجج والذرائع الواهية التي لم تعد تقنع لا المجنون ولا الجاهل ولا الطفل الصغير، وبات في قناعة واعتقاد الكثيرين ان الوزارة لاعمل لها الا البحث عن مبررات الفشل والاخفاق والتقصير، ففي السابق كانت تتحجج بالارهاب والعمليات الارهابية التي تستهدف ابراج وخطوط نقل الطاقة الكهربائية، والكوادر العاملة في الوزارة، فالان وبعد ان انحسر الارهاب وتوفرت الظروف الملائمة لتفعيل ملف الخدمات، طرحت الوزارة مبررات وحجج وذرائع جديدة تتناسب مع المرحلة الجديدة، ومن بين تلك المبررات والحجج والذرائع، العواصف الترابية، وانخفاض مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات، وعدم قيام وزارة النفط بتأمين الوقود الكافي لعمل محطات توليد الطاقة الكهربائية.. ولم يتحدث لا الوزير ولا غيره من كبار مسؤولي الوزارة عن أي تقصير لديهم او لدى أي مستوى اخر من مستويات الكوادر العاملة، ولم يتحدثوا عن تصريحاتهم المتواصلة التي تتضمن وعودا براقة، ومشاريع لم يعد احد يصدق ان لها وجود على ارض الواقع، ولم يتحدثوا عن الفساد الاداري والمالي الذي ينخر مختلف مفاصل الوزارة، وبأشكال وصور واساليب مختلفة، ولم يوضحوا لماذا كانت ساعات تجهيز الطاقة الكهرباء قبل ثلاثة واربعة اعوام اكثر من الان، وكان هناك وجود لشيء اسمه برنامج قطع مبرمج، علما ان من كان يقف على رأس الوزارة لم يكن نزيها مثلما اثبتت الارقام والاحداث والوقائع فيما بعد، ولم يبادر-ولن يبادر-أي كان في مواقع المسؤولية العليا بالوزارة، لا الوزير ولا غيره الى مجرد التفكير بالاستقالة وفسح الطريق الى الاخرين علهم يقدمون ما هو افضل من هذا الواقع المزري الذي لم يعد ممكنا السكوت عنه.
لانعتقد ان أي من المسؤولين في وزارة الكهرباء العتيدة يمكن ان يفكر او يقدم على الاستقالة لان حرمان الملايين من الناس من الكهرباء بصورة شبه كاملة، مشكلة تافهة بنظرهم لاتستحق ان يترك المسؤول كرسيه بسببها مثل المشكلة الكبيرة والخطيرة التي دفعت الوزير الكندي الى تقديم الاستقالة!!..
https://telegram.me/buratha