أحمد رضا المؤمن ||
الشعوب المتحضرة الحية، تحترم تأريخها فلا تسمح لأحد بتشويهه فتزييف التأريخ هو إعدام ذاكرة شعب . ليست المشكلة أن تكون مؤيداً أم معارضاً لثورة 14 تموز عام1958، لكن المشكلة الكبرى أن يكون موقفك منها مبنياً على أساس من التأريخ المزيّف . هناك من يشوه تاريخ وجوهر الثورة منطلقاً من أربع معلومات خاطئة متعمدة، وهناك من يكرر "دون وعي" نشر هذا التشويه دون محاسبة ضمير :
*الخطأ الأول : ثورة تموز هي التي فتحت عهد الانقلابات وحكم العسكر : *
كلا، هذا غير صحيح ، اول من فتح عهد الانقلابات والاغتيالات هو بكر صدقي عام 1936 .
ثمانية انقلابات عسكرية حدثت في العهد الملكي .
ولكن ثورة تموز نجحت لأنها أسندت من قبل الحركة الوطنية فإستقبلت بتأييد شعبي لا مثيل له بأعتراف المستشرق "مكسيم رودنسون" والمؤرخ "حنا بطاطو" والفيلسوف "برتراند راسل" وعشرات الكبار الذين قيموها كثورة شعبية وحيدة في المنطقة .
أما دور العسكر فمعروف أن معظم مؤسسي الدولة العراقية كانوا من جنرالات الجيش العثماني .
نوري السعيد نفسه كان ضابطاً وصار رئيساً للوزراء 14 مرة .
نصف فترة العهد الملكي مضت ضمن حالة الحكم العرفي العسكري .
*الخطأ الثاني : ثورة تموز كانت دموية ولذلك لايصح إعتبارها عيداً وطنياً*
كلا ، يا جماعة ، العهد الملكي كان دموياً قامعاً ، قمع إضرابات عمال كركوك بالرصاص ، أنهى إحتجاج المساجين في الحي وبغداد بالبنادق ، دك قرى الآشوريين والكرد بالطائرات ، واجه مظاهرات الجسر السلمية بالرصاص ، علق سياسيين مدنيين غير مسلحين على المشانق بساحات بغداد ، صلب العقداء الأربعة أمام وزارة الدفاع ، سنّ قانون العشائر الذي يبيح للاقطاعي قتل الفلاح ، ومع ذلك فالحقيقة تقول ان عبد الكريم خطط لإبعاد العائلة المالكة الى الخارج على طريقة تعامل الثورة المصرية مع الملك "فاروق" ، أما الذي إقترف جريمة قتل العائلة المالكة فهو "النقيب عبد الستار سبع العبوسي" وهو من خارج تنظيمات الضباط قادة الثورة ، كان تصرفه فردياً بدوافع قومية وربما ثأرية انتقاماً لضباط حركة مايس 1941 الذين أعدمهم عبدالإله .
انظر لفرنسا كيف تحتفل بعيدها الوطني . رغم أنه كان يوماً دموياً . باريس عاصمة النور ، مدينة حقوق الانسان وثورتها التي رفعت شعار حرية ، أخاء ، مساواة ، لم يمنعها من الاحتفال بهذا اليوم كعيد وطني أن الجماهير الثائرة قتلت "دي لوني" مدير سجن الباستيل وسحلته وطافت براسه معلقاً على الرماح في شوارع باريس .. فهناك فرق بين السبب والنتيجة .. الظلم يشرعن العنف .
قبل ان تجرّم عنف المظلوم حاسب تهور الظالم فالسبب هو الذي يصنع النتيجة لا العكس .
*الخطأ الثالث: النظام الملكي كان نظاماً ديموقراطياً خالياً من الفساد وثورة تموز " أنهت هذه الديموقراطية":*
كلا ، هذه مغالطة ، لم يكن النظام الملكي ديموقراطياً . الديموقراطية كانت ممارسة نخبوية شكلية ومحصورة بين العوائل الارستقراطية والإقطاعيين . روى أحدهم للدكتور علي الوردي : إنه سمع ذات يوم ، في موسم من مواسم الانتخابات ، بأن برقية وصلت من بغداد لمتصرف لواء البصرة تأمره بانتخاب شخص معين . وقد ذهب هو للشخص بقصد التهنئة ، فقبل الشخص منهم التهنئة ، رغم أن الانتخابات لم تحن وكانت في طور الإعداد ! أيد هذه الرواية أحمد مختار بابان في مذكراته ، وإعترف أنه هو الذي كان متصرفاً في لواء البصرة والذي شكل الوفد لتقديم التهنئة لذلك النائب .
وفي عام 1954 جرت في عهد حكومة أرشد العمري انتخابات برلمانية ، ورغم كل الغش ، فازت أحزاب المعارضة الوطنية بـ 11 مقعداً من مجموع 131 مقعد ، فلم يطق نوري السعيد هذا العدد القليل من المعارضين ، إنقلب على زميله أرشد العمري ، وعطَّل البرلمان ، وشكل الحكومة برئاسته ، وأعلن الأحكام العرفية فاية ديموقراطية تلك ؟
أما الفساد فقد كان مروّعاً ولكنه عشعش في القمة حيث الاقطاعات والامتيازات والتعيينات والمناصب للأعيان والباشوات والوجهاء والشيوخ. جئني بواحد من الضباط الاحرار ثبتت عليه قضية فساد واحدة ! .. لا أحد !
*الخطأ الرابع : كل إنجازات ثورة تموز كانت مخططة في العهد الملكي*
كلا ، هذا غير صحيح . عاش العهد الملكي 38 سنة وعاشت ثورة تموز 4 سنوات ونصف ، ولكن الذي نفذ في عهد الثورة يتجاوز مئات المرات ما بني في عهد الملكية . الناس لا تأكل من المخططات .
أخيراً ، لو ان حركة تموز فشلت لأعدمت الملكية كل الضباط الاحرار مثلما فعلت مع حركة الصباغ ، مقابل ماذا ؟
ما المكاسب الشخصية التي جناها قادة الثورة ؟
هل أثروا ؟
هل ملكوا الاراضي والمزارع ؟
هل عين عبد الكريم ابن أخيه وزيراً ؟
هل سجل وصفي طاهر او المهداوي او طه شيخ احمد او ماجد أمين إقتصاد البلاد باسماء عوائلهم ؟
هل تقاسم الضباط الاحرار الكعكة ؟
حكومة ١٤ تموز هي أول حكومة عراقية تدك اسوار الطائفية والعشائرية واول من حاول نسفها من الاساس .
اول من شرّع مبدأ الحاكم خادم الناس وليس سارقهم في التأريخ السياسي المعاصر في العراق.
وبدلاً من رد الجميل يجلس البعض مكرراً ترديد ما يشاع وكله مبني على خطا
المجد والخلود لثورة تموز المجيدة والخزي والعار واللعنة على كل من ساهم في اسقاطها من ٨ شباط الاسود إلى يومنا هذا من بعثيين قدماء او حاليين .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha