تبارك الراضي ||
في السنة العاشرة من الهجرة، الموافق 632 ميلادي، قرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أداء فريضة الحج، والتي سُميت بحجة الوداع، وحجة الكمال، وحجة التمام، فاجتمع المسلمون من كل حدبٍ وصوب ليشهدوا مع نبيهم أخر أركان الدين، وبعد فراغه من مناسك الحج نزل جبريل عليه السلام بالآية الشريفة: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، وفيها أمرٌ إلهيٌ واضحٌ وحازم بتبليغ أمرٍ خطير طالما تردد النبي عن الإفصاح به خشية التكذيب واتهامه بمحاباة الإمام علي، لكن التوجيه واضح وصارم، وعدم تبليغه يعني أن كل ما قام به في الـ 23 سنة من عمر الدعوة الى الإسلام لا قيمة له.
أمر الله محمداً بتنصيب علياً للناس ليُخبرهم بولايته، فتخوّف رسول الله أن يقولوا حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ”، فقال رسول الله بولايته يوم غدير خم.
يوم غدير خم قال رسولنا الاكرم : أليس الله عز وجل يقول “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض”.
قالوا: بلى يا رسول الله.
قال: فأخذ بيد علي عليه السلام فرفعها حتى رُئِي بياض إبطيهما.
فقال: من كنت مولاه فعليٌ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأحب من أحبه، وأبغض من أبغضه.
فأتاه الناس يهنئونه، فقالوا: هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أمسيت مولى كل مؤمن.
ومما جاء فيه أن الإمام علي عليه السلام، قال: فأنشدكم بالله وبحق نبيكم هل فيكم من أحدٍ نصّبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للناس ولكم يوم غدير خم، فقال: “من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه”، غيري.
قالوا: اللهم لا.
وأورد الإمام علي بن موسى الرضى عليه السلام في صحيفته بإسناده عن أبائه، أن رسول الله صلى الله عليه آله وسلم قال يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، واخذل من خذله، وانصر من نصره.
لا إشكال أن ولاية أمير المؤمنين على كل مؤمن، كولاية رسول الله على كل مؤمن إلا ما خصّهُ دليل معلوم للسامعين، كثبوت ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على علي عليه السلام، وكون ولاية علي عليه السلام لا تُعارض ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل ولاية علي عليه السلام تحت ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فحالةُ حضور رسول الله مخصوصةٌ، لقول الله تعالى: “النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم”، ومن جملة المؤمنين علي عليه السلام، وقول الله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله”، ومن جملة المخاطبين علي عليه السلام، فلم يبقى إلا حال مغيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو غيبوبة ذهنه، لشدة المرض في حادثة تضيقت، وإلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومحل المسألة هذه علم الكلام.
وما نفهمه أن ولاية أمير المؤمنين ليست بديلاً عن نبوة رسول الله كما يدعي غلاة الوهابية، بل هي امتداد لرسالة رسول الله، وتبليغ الولاية يعادل تبليغ الرسالة، وعدم تبليغ الولاية يساوي عدم تبليغ الرسالة، وبتبليغ الولاية تم كمال الدين.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha