لمى يعرب محمد ||
لعب الاستشراق دورا مهما في حياة الأمة الإسلامية، وكان هناك أفكار وطروحات سلبية وايجابية، وخصوصا بعد إن أصبح الاستشراق علما له منهجه وفلسفته وأتباعه ومدارسه، حيث تناول المشتشرقون التراث الإسلامي عن طريق جمع المعلومات المتاحة، فدرسوا الإسلام والسيرة النبوية وحضارة العرب، وأغلب الوقائع التي جرت في صدر الإسلام، والتي مثلت تحولا خطيرا في الواقع السياسي الإسلامي، وكان لموضوع الخلافة والانقسام الذي حدث عند المسلمين أهمها وأبرزها.
لم تكن واقعة الغدير قصة تاريخية عابرة، أو حادثة غير مهمة في التاريخ الإسلامي، وإنما هي واقعة ترتب عليها حكم مهم في التاريخ الإسلامي، لتأسيس حكومة الخلافة بعد النبي محمد (ص).
ولهذا.. سلك المستشرقون في دراستهم للوقائع التاريخية وشخوصها المرموقة، منهجا يكاد لا يختلف في أهمية دراسة شخصية الرسول الأعظم (ص) والإمام علي، ومنهم المستشرق الدنماركي"بيترسن"، معللا اهتمامه بصورة عامة في دعوة النبي محمد(ص)، "وهذا يرجع بشكل أساسي إلى حقيقة أن دعوة محمد قد بدأت في وسط ديني مماثل للوسط المسيحي، وان آراءه قد شكلت ونظمت الأسس الدينية للفهم العربي للتاريخ".
انطلق المستشرقون على ضوء مستويات، تناولت دراستهم الاستشراقية للجوانب الشخصية للخليفة الذي يحكم المسلمين، بعد انتقال الرسول محمد(ص) إلى الرفيق الأعلى والتي ركزت على عدة جوانب، حيث بدأ الباحث المستشرق "ميرسيا الياد"، يخطط وبشكل تفصيلي فيما يتعلق بإمامة الإمام أمير المؤمنين علي (ع)، وبرزت رؤيته الأولى بإيمان أول شخصين، ذكر وأنثى، آمنا بالرسالة الإسلامية هما خديجة زوجة الرسول والإمام علي ابن عمه، فكان المستوى الأول هو أسبقية الإمام علي (ع) في الإسلام.
تحدث المستشرق"يان ريشار"، عن أفضلية الإمام علي (ع) دون غيره للخلافة والحكم، وذلك لحصوله على الصفات التي تؤهله لهذا المنصب، وأكد ذلك بقوله "فإذا نظرنا إلى عامة المسلمين، وجدنا إن عليا هو النموذج الأمثل للحاكم الواعي والملهم، وفي الأصل فانه كان يقوم بما يشبه وظيفة الوزير في حكومة النبي، وكان قوياً كالأسد، ومُسلّحاً بسيفه (ذو الفقار) الذي كان له حدان، ولكنه تحوّل بحكم الايدولوجيا المناضلة إلى شهيد في سبيل العدالة، وحقاً فانه كان في وسعه أن يثور على تعيين الخلفاء الثلاثة الذين سبقوه، وعلى العزل الكامل الذي وضعه فيه عثمان، وكان بوسعه أن يحتال على معاوية، كمقدمة لإضعافه أي موالاته أولاً، للهجوم عليه فيما بعد بصورة المفاجأة وكان بإمكانه أن يتجاوزه بالحيلة، ما علق في رؤوس الرماح من وريقات القرآن، في معركة صفين، واستخدم تفوقه العسكري فيها حتى النهاية"، فكان هذا المستوى الثاني وهو الصفات الشخصية للإمام علي(ع).
كما ووصف المستشرق "بودلي"، الإمام علي(ع) بأنه ذلك الجندي الأمين على الإسلام والذي سيصبح في يوم من الأيام خليفة، فقال"وعلي الجندي الأمين الباسل، كان محمد بطله، وكان القتال هوايته، انه رجل العسكر والقتال، وسيصبح في يوم من الأيام خليفة" كان هذا المستوى الثالث وهو شجاعة الإمام علي(ع).
كانت رؤية المؤرخ الفرنسي "يان ريشار"، في قضية الخلافة وإعلان البيعة للإمام علي (ع) قرب "غدير خم"، هي في حقيقتها قضية محسومة، ولا مجال للطعن بصحتها وباعتراف الجميع بحدوثها، إلا أنها أخذت من صاحبها، بقوله"وعلى الرغم من إن عليا هو الخليفة المعين من قبل النبي، فانه استبعد عن هذه الخلافة".
اتفق عدد من المستشرقين إن قضية "غدير خم" هي قضية جوهرية، والتي لا تقل أهمية عن الأوامر القرآنية وكمال الدين، الذي يكمن في الإمامة وتولية الإمام علي(ع) حاكما ووصيا، وان يوم الغدير واقعة محتومة لا يختلف فيها اثنان.
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha