سعيد البدري ||
لاشك ولا ريب ان الحديث عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حديث طويل، لا يتسع له مدى ولا تحيطه احاطة ، حديث لا تحصيه الأرقام، ولا تدركه الاوهام ، فكيف يمكن ان نختصر مسيرة الاسلام و الاول بين رجالاته باوصاف قاصرة فكونه معصوما من الخطأ والزلل يكفيه وكونه صنو رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) واخيه ووصيه بل هو ثاني ابوي هذه الامة و حامل راية التوحيد والايمان وهو قدر عظيم لم ولن يصل اليه سواه ..
لقد كان علي ( عليه السلام ) منارة شاخصة كما وصفه النبي عليه واله صلوات المصلين ، والتوقف عند جزء يسير من خصائصه يتجاوز ما نحن بصدده ، ويتعداه بمراحل ، ولا ادري كيف لجاهل تقييم امام رباني وكيف لناقص وصف الكمال النوراني ، حاولت ان اجد لنفسي موطأ قدم لأقول فيه ما لم يقله غيري فشعرت بالعجز المطلق وليس عيبا ان يعترف المرء بعجزه ويقر بنقصه ، وحين ادركت ذلك حدثت صديقا عن حيرتي وعجزي فأشار عليّ بالبحث في مفردة العجز والكتابة عنه ، ولست مبالغا ان قلت ان قلمي لم يطاوعني في الخوض بهذه الجوانب خجلا وقد هجرتني الكلمات و لعلها لم تشأ توريطي ببحث اعلن فيه تصاغري فأخترت التذكير بعلي وهو من ذكره عبادة عليه السلام ، و ان كان باب التذكرة بعلي دافعا للبحث طمعا في ان اصيب من حقيقته ما يجعلني وغيري في مصاف الساعين للنجاة سيرا على دربه القويم ..
ان الخوض بسيرة علي عليه السلام يحتاج لأكثر مما نرى ونبصر فبين ظاهره وباطنه وسره وعلنه وما خفي من علمه وما له من خصائص تحير الالباب وتضعنا في خانة تحدي انفسنا ، فمن عاصروه وعايشوه لم يدركوا كنهه حتى ان الد اعدائه والكارهين له حسدا وكفرا يقولون عنه ما لا يقولون عن انفسهم مرغمين صاغرين متصاغرين امام عظمته ، فقد كان عابدا زاهدا سخيا كريما صبورا متواضعا بارا مؤثرا جوادا عالما عارفا متيقنا متجاوزا مع قافلة اخرى من المكارم حتى بلغ به الكمال جمعه كل صفات الانسان السوي ، وقد بذل له المجد كل ما يملك ليضعه في مرتبة المثال والتصورات التي لا يمكن الاتيان بمثلها عن الانسان الكامل ، فهو لايقارن بقرين سوى اخيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فكيف برجل كان حبه علامة من علامات الايمان وبغضه شهادة نفاق ان لا يشتمل على كل الفضائل والمحاسن !!
اننا نتحدث ونخوص بسيرة علي عليه السلام صاحب بيعة الغدير الذي لن يجود الوجود بمثله وقد تجاوز بصفاته وشمائله وملكاته ومكارمه جميع من عاصروه وسبقوه ومن اتوا بعده فأستحق التكريم الالهي بأختياره واصطفائه اماما مفترض الطاعة وامتحانا لقلوب الخلق وضمائرهم بعد تلقيه دروس النبوة وتعاليمها التي استوفاها ليكمل مهمة التبليغ وحفظ الرسالة اماما في الخلق لا يمكن ان تنال منه الشبهات وبعيد عن المثالب والنقص ،الا ان القوم ممن جبلوا على النفاق واثروا العصبية والرجوع للجاهلية الاولى تنكروا وانكروا واختاروا الدنيا التي طلقها عليه السلام ثلاثا وحاولوا العودة بالامور لما املته عليهم نفوسهم النتنة ونفوسهم المقفرة فانتهوا بذلك الى الخسران العظيم ، اما نجم علي عليه السلام فما خف وهجه بل ازداد تألقا ولم يخفت نوره متحديا كل ذلك الظلام ، وهو ما ادركه جميع من قرأ عنه واستشرف حضوره حتى ان بعضا من كبار الفلاسفة والمفكرين حين عجزوا عن الاحاطة بما عنده قالوا انه خارج المعقول وفوقه وكأنه حضر وعاش زمنا سبق زمانه ..
فسلام على علي يوم ولد ويوم ارتقى شهيدا و يوم يبعث حيا فاروقا يفرق بين الحق والباطل..
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha