كوثر العزاوي ||
جوارحٌ تنافِسُ الجوانح، في أروع مارثون للأرواح شهِدهُ صعيد عرفات
لتعرِف هناك ذاتك، فهو يومُ الصُّلح يوم الحُبّ والقُرب، وفي كُلّ لحظةٍ منه تجديد يفوق تعبير الكلام، قلبٌ سَجَدَ وعقلٌ وَجَد، وروحٌ سَمَت وارتوت!! فالكلّ حتمًا كان حريصًا غيورًا أن لايجعل الشمس تغيب دون أن يأخذَ نصيبهُ من السموّ والسكينة، وهي تتغشّى روحهُ في لحظة انقطاع فيخرُّ ساجدًا واجدًا مناهُ في القرب والوصول، ثم يزدلِفُ بعدها واقِفًا شطرًا من الليل شاكرًا، فيكرُّ قاصِدًا مِنى وكل المُنى في مِنى وقد تسلّحَ بحصيّاتٍ يرمي بها عقباتٍ ثلاث طالما حالت بينه وبين مولاه الحبيب وفرّقت بينهما في محطاتٍ من العمر، بين غفلة وهوى، وحب للذات والدنيا، فأي انتقامٍ ياترى سيكون والعمر يحدو مؤذِنًا بنفاد، فتراه يشقّ البحر البشري غير آبِهٍ حتى يتمكّن من قذف شيطانه ولسان حاله يقول: إبليس والدنيا ونفسي والهوى..كيف الخلاص وكلهم أعدائي، هاتفًا الله اكبر، مسددًا الرمية الاولى وكأنّ عقله بل كلّه يضرب الشيطان الأكبر حتى الحصيّة السابعة على أمل الرجوع لثلاث ليالٍ سويًا، راجيًا بذلك الخلاص والكمال في لحظة إخلاص وعهد جديد!!
وفي الطريق إلى مِنى حيث المبيت هناك ممتثِلًا لأمرِ مولاه على أمل الرجوع متطهِرًا إلى بيت ربّ العزة والجلال، ومعبوده الواحد الأحد، فيؤذَنَ له بالدخول مؤتزرًا كفنهُ ملبيًا معترفًا مقرّا: إلهي أنتَ الكبير وأنا الصغير الحقير الذليل، بل الدنيا ومافيها حقيرة صغيرة، وأنت اهل الكبرياء والعظمة كما يليق بك، وها أنا عند بابك ذليلٌ، فمنك مايليق بكرمك ومنّي مايليق بلؤمي، فأذَنْ لي بالدخول وكنْ لي ومعي في قابل أيام عمري، فكن سَمعي مع سمعي، وبصري مع بصري، وامنُن على قلبي أن لايحيد عن صراطك الأقوم، وأن لا يتولّى، ولايولّي حين تتولّى القلوب وتُولّي مُدبِرة ، وحين تفتُرُ النفوس وتخورُ العزائم وتصعُفُ الهِمم، بل لتبقى رحلة الحب مع من أُحِب، ماضيةً نحوك في كل حين، وقلبي صادحًا أبدًا " إلهي.."ماذا وجد من فقدك، وماذا فقدَ مَن وجدك" وعند حلول يوم العيد يبقى كل جزء من كيان العبد ممتنًّا لله شاكرًا لأنعمه، حيث اصطفاهُ لاستضافته، والحمد لله على نعمة الإسلام دينِ الفطرة، سيما عندما تفيق من سُباتها، وكل ما وهبتَ يامولاي وأعطيتَ، هي نِعمٌ تُسربِلُني في العيد شكرًا وسكينة، كما أنها قوة تمدُّني بالصبر والثبات ومواصلة الدرب في سعي مستمر مكلل باليقين غير مكترِثٍ لشدة الكدح وأنماط البشر، حتى يأذن الله لأمره الموعود ليروي ظمأنا من زمزم المهدي يوم ظهوره والفرج، فذلك الفرح بأسمى معانيه، فرح الأمة الإسلامية جمعاء، إذ حققت ما تصبو إليه في ظل القائد الأقدس وأمير حجّنا في كل عام، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَِ} يونس٥٨
من جوار بيت الله الحرام
١١ذي الحجة ١٤٤٤هج
٣٠-٦-٢٠٢٣م
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha