سعيد البدري ||
لم يكن اية الله روح الله الموسوي الخميني شخصا عاديا البتة ولا يوجد مطلع منصف على سيرة هذا الرجل من يقول بذلك فالاعداء قبل الاصدقاء يقرون بعلو الهمة والذكاء الحاد والاخلاص في العمل بالاضافة لمزايا روحية وامداد غيبي لا يدرك البعض كنهه ..
تأملوا فقط حديث هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميريكية الاسبق وما يعنيه بقوله " لقد جعل آية الله الخميني، برامج التخطيط الغربي تواجه أزمة جادة ، و ان قراراته كانت مدوية ، وسلبت اي مجال للتفكير والتخطيط للسياسيين والمنظرين السياسيين ، و لم يكن لاحد القدرة ان يتوقع قراراته سلفا . لقد كان اية الله الخميني يتحدث ويعمل بمعايير اخرى، غير تلك المعايير المعروفة في العالم ، وكأنه كان يستلهم من مكان اخر" .
يقول ياكوفلوف احد اهم منظري ومهندسي الاتحاد السوفيتي السابق إنه خلال ذلك الاجتماع معنا ( رسالة الامام الخميني الشهير للرئيس ميخائيل غورباتشوف ) ، قرأ جوادي آملي رسالة الإمام (قدس سره) لمدة ساعتين. خلال هذا الوقت ، لم يفعل غورباتشوف أي شيء واستمع فقط إلى خطاب الإمام (قدس سره). قال ياكوفلوف: من سمات آية الله الخميني (قدس سره) الاستثمار الروحي طويل الأمد.
في الجانب السياسي تتميّز شخصيّته بأبعاد متعدّدة، فهو الفقيه والعارف والفيلسوف والمتكلّم، والقائد ورجل السياسة. وتتكامل هذه الأبعاد لتشكّل معًا هذه الشخصيّة الاستثنائيّة في تاريخ الأمّة الإسلاميّة.
ومن هذه الشخصيّة المتكاملة والسامية، ينبع فكره السياسيّ. فهو فكر إسلاميّ أصيل خالص، يستقيه من أصول الإسلام وتعاليم القرآن، ويتمحور حول ضرورة إقامة الحكومة الإلهيّة الإسلاميّة العادلة، وتأسيس نظام سياسيّ في عصر الغيبة، يرتكز دستوره على أحكام القرآن الكريم والشريعة المقدّسة.
ويتجلّى فكره السياسيّ في مواقفه في مواجهة الانظمة الظالمة المستبدّة، والقوى الغربيّة المستكبرة التي تسعى للهيمنة على ثروات الشعوب، وخطبه وأحاديثه في مبادئ الحكم والسياسة تشرح المقاصد وتكشف عن هذا الجانب جليا في شخصيته ،لذا فقد ركز خلال السنوات القليلة التي كان فيها على رأس النظام الاسلامي على ارساء قواعد الحكم الرشيد المستند على التعاليم الاسلامية لتظهر الصورة بهية جلية حيث قدرة الاسلام العظيم كنظام سياسي وحياتي على مراعاة متطلبات الانسان ضاربا الافكار والتنظيرات التي تقول ان الحداثة والاسلام لايجتمعان عرض الجدار ، مسفها تلك الاراء البائسة ومن اطلقها ليثبت كذب المدعيات الشرقية والغربية المناوئة للاسلام والتي طالما اساءت له وتجاذبت ابنائه لالغاء هويتهم الثقافية كابناء للاسلام العظيم ..
ان الحديث عن الامام الخميني وثوريته يحتاج للتفصيل فالاجمال لا يفي بالمقاصد ولا يعطي الرجل حقه فالذي جعل الثورة الإسلامية في ايران متميزة ومتفوقة على غيرها من الثورات الكبرى ، هو ما شكلته من إنعطافة غير مسبوقة في ثبات المبادئ الثورية وتساميها بنظرية ولاية الفقيه ،وتسلم الولي الفقيه قيادة الامة الإسلامية حيث تحقق فيها تسنم إيران قمة من قمم قيادة العالم نحو ترصين إنسانية الانسان من خلال نشر مبادئها الإسلامية الانسانية وبمنهج واضح حيث الحرية والعدل والكرامة الانسانية ، فمنذ عام 1979 وحتى يومنا هذا ما زالت الثورة تترسخ أكثر في أدق مفاصل الحياة الاسلامية الايرانية وتنمو في القطاعات كافة وكل ذلك بفضل قائد الثورة والمخطط لها
وأزاء هذا الفتح الثوري الشعبي الايراني المبين يحق لنا أن نتساءل ؛ ما الذي بقيّ مستمرا من الثورات العالمية الكبرى ؟. والحقيقة هي أنها أسهمت فحسب بتغيير أوضاع سياسية وإقتصادية وغيرها ولكنها لم تستمر بالمبادئ نفسها التي قامت من أجلها ،بل بالعكس فقد إنحدر بعضها إنحدارا أدى إلى الكثير من المآسي العالمية التي يطول الحديث عنها وهذا ليس انتقاصا من أهمية تلك الثورات من حيث كونها حلقات مهمة في سلسلة التحرر إلا أنها كانت تحمل في صميم فلسفتها بذور فنائها بسبب عجزها عن التعايش مع الواقع غالبا ،بعكس الثورة الاسلامية التي كانت ولازالت تستشرف المستقبل وتتماهى معه بل وتسبقه لأنها قائمة على مبادئ التوكل على الله ورفض الخوف والمواجهة واليقين بالنصر مما اعطاها زخما اضافيا وطاقة هائلة مكنها من تجاوز كل العقبات بما فيها الحصارات والازمات التي اصطنعت لاجل خنقها وبالتالي تحييدها ودفعها قسرا خارج مشهد التأثير .
هذه الجوانب الصغيرة من شخصية الامام الراحل تكشف بلا ادنئ شك عن قمة من القمم وتعطي تصورا بسيطا مما سيكون عليه الحال فمعركة الايمان كله مع الانحراف والتجبر والانحلال الاخلاقي مستمرة ولن تنتهي الا بهزيمة من يظنون ان بأمكانهم استعباد الانسان من دون الله كما يذهب الى ذلك كل الاحرار المؤمنين بالخميني العظيم قائدا وملهما ومعلما سبق عصره بقرون ومسافات بعيدة ليستشرف مستقبل الامة ويضعها على اعتاب مستقبلها وما ينبغي ان تكون عليه فعلا وقولا وعملا
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha