كوثر العزاوي ||
حينما يلِدُ الإباءُ رجالًا كرجال الله منذ زمن الخليقة، ليكونوا خلفاء الله في أرضه ثمّ يُتوارث ذلك الإباء والثبات ليتجلّى في شخوص الأنبياء والأوصياء، لتقف المشيئة الإلهية عند آخرهم "صلوات الله عليهم" معلِنةً الغيبة له باقتضاء الحكمة والمصلحة، والعلة أنّها من أسرار الله تعالى التي لم يطلع عليها أحد من الخلق، كما جاء في كتاب مختصر التحفة الاثنى عشرية : {كان الاختفاء لحكمةٍ استأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده} وحتى ذلك اليوم الموعود جعل الله تعالى سنّة النيابة عن المعصوم الغائب، إذ خصّها برجال دون المعصوم ليمهّدوا
لدولة العدل التي يُظهرُ الله بها دينهُ على كل الأديان، رجال علماء فقهاء عرفاء مخلصون ثابتون، ولعلّ أنصع ضياءًا ماورد في الموروث الروائي من إشارة إلى إنموذج برز في العصر الحديث ليُدلَّنا عليه ويعرّفنا به، وهذا النص جاء في الأثر شاهدا:
-عن علي بن عيسى، عن أيوب بن يحيى الجندل، عن أبي الحسن الأول"عليه السلام" قال: {رجل من أهل قم يدعو الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تُزلهم الرياح العواصف، ولا يملّون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين}
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٧ - الصفحة ٢١٦
فلعلّ المصداق في عصرنا إنما هو "روح الله الخميني" الذي تجلّى فيه شيء من نور سيد المرسلين"صلى الله عليه وآله" وجرعة من فضل عليّ أمير المؤمنين" عليه السلام" في العلم والفقه والحكمة، وجرعاتٍ من صبر وحلم وسعة أفقِ الحسن المجتبى "علي السلام"، وتأثير ماانطوى عليه وجدانهُ من تضحية سيد الشهداء الحسين"عليه السلام" وبصيرته وأهدافهُ وكثير من شجاعته!! فأقدَمَ متسلّحًا بكل أدوات الشرف وأسلحة النزاهة والاستقامة بعيدًا عن جاذبات الأرض وزخارف الدنيا! فكُتِب لمشروعِه الحضاريّ الإلهيّ الفوز والنجاح بمقوّماتِه ودعائمِه التي قامت على أسس قيم الإسلام وتعاليمه وشريعته لهدفِ إنقاذ المستضعفين مما كانوا عليه من تخلّف وظلم وقهرٍ وقمعٍ للحريات ومصادرة الحقوق والمعنويات، ويوم رحلَ"رضوان الله عليه"،عمِلَ بالسنّة الشريفة والنهج العلويّ المطهّر، فاختار خليفةً من بعده يتولى دفّة القيادة، إذ تمثّلت بشخص سماحة السيد الوليّ الفقيه" أدام الله ظله" وجميع المراجع الممهّدين الساعين لمواصلة المشوار، فكان نعمَ الخلَف كما تقتضي المرحلة اليوم لجيلٍ واعدٍ ومجتمعٍ ممهّد بكل محاوره وهو امتداد حقيقيّ للنهج المحمدي الأصيل! سلامٌ لروح الله في ذكرى رحيله، نعم! رحلَ جسدًا والموت حق، وبقي روحًا وفكرًا ونهجًا! فسلام لروحهِ التي مازالت تُلهِم الأحرار.
١٤-ذي القعدة١٤٤٤هج
٣-حزيران ٢٠٢٣م
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha