علي عنبر السعدي ||
لاتمتلك كثير من الشعوب ،خاصية التحشيد التطوعي في الظروف الاستثنائية ،فذلك يحتاج الى تهيئة نفسية وتعبوية يتداخل فيها الديني / العقائدي ، مع التاريخي /الاجتماعي ، فيكون لتفاعل تلك المعطيات ،فعل قد يبدو مفاجئاً لمن لايأخذ تلك العوامل بنظر الاعتبار .
الشيعة بعد 2003، ورغم كثافة الهجوم عليهم بمختلف أنواعه – بما فيها الابادة الجمعية – ظهروا بشكل بدا غريباً وغير مفهوم بالنسبة للقوى المراهنة على اخضاعهم .
لقد روج في التاريخ ،إن حملات القمع القاسية التي تعرضوا لها عبر قرون ،جعلت من الشيعي شخصية خانعة مستسلمة ، لم تعد تجيد الدفاع عن نفسها حتى بمعرض الردّ الكلامي ، وشاعت ظاهرة الشيعي الشاتم للشيعة والمتبرئ منهم ،وقد وجدت هذه الحالات من يشجعها وينشرها ،كي تتحول الى ظاهرة أخرى تكون لها صدقية التأثير لأنها تأتي من "البيت الشيعي" ذاته ،وتحت مقولة "وشهد شاهد من أهله" جرى التشنيع على الشيعة من داخلهم ،بما يوازي التشنيع القادم من القوى المضادة لهم .
كل الثورات التي قاموا بها ضد الطغاة ، دفنها التاريخ أو اطلقها مشوهة ، فسلسلة ثوراتهم طوال العصر الأموي ، حولها المؤرخون الى فتن وشقاق ونفاق ،واتخذوا من قول اشنع الطغاة – الحجاج بن يوسف – منصّة لتعميمها على العراقيين – الشيعة بشكل خاص – ثم توالت الأزمنة ،ليأتي عالم اجتماع من أوساطهم "علي الوردي " فيوصمهم ب"الازدواجية" ومن ثم جعلها منصة أخرى لمهاجمتهم والتشنيع عليهم .
لم يسبق لشعب أو مجموعة دينية أو عرقية ،أن تعرضت لكل هذه المراحل من التاريخ شديد القسوة – حتى في تدويناته - لذا كانت التقديرات تشير الى انهم بلغوا مرحلة من الضعف والانكسار، درجة اصبح استسلامهم وتخليهم عن السلطة التي وصلوا اليها بعد 2003 ،حالة متيسرة وشبه مؤكدة ،لكنهم اظهروا ان ضعفهم الظاهر ،يحوي قوة كامنة تنتظر من يحثها ويستنهضها.
اندفاع جموع المتطوعين نحو ساحات القتال ،كان مثيراً لدهشة المراقبين ، فلم يكن الكثير ممن توقعوا ماحصل ، ثم ببضع مواجهات ،استطاع متطوعو الحشد ،اتقان مواجهة التكتيكات العسكرية لداعش ،التي جمعوا فيها اساليب عديدة لم تكن مألوفة ،فمن الانغماسيين والهجمات المفاجئة ،الى الانتحاريين وسياراتهم المصفحة ،الى تشويه الجثث ،وكانوا يعتقدون ان تلك الأساليب ستنجح في التغلب على الحشد ، الذي مثّل خلاصة وكثافة التاريخ الشيعي برمته ،لكنه في الوقت عينه ،صنع تاريخاً جديداً ،أحدث تحوّلاً محورياً في مسارات التاريخ – ليس للعراق وحده – بل ترك اثره على المنطقة .
فما تعرض له الحشد ،يكمل معادلة الشيعة في ظلم التاريخ ، لقد سلطت عليه في بضع سنوات ، مايعادل أو يزيد عن عقود طويلة من خطاب الزيف والكراهية ، لكن قد ظهركذلك ،و للمرة الأولى في التاريخ العراقي الحديث ،ان الشيعة أقوياء بما يكفي ليكونوا خطرين ،وهذه المرّة ،تغيروا وزادوا صلابة ،فانتجوا "جيشهم الخاص " الذي تبين انه قادر على صد الاعداء الأكثر شراسة ،وتحقيق الانتصار الذي يخص في جوهره الشيعة بشكل أساس ، فخرجت معادلة ضمنية أفرزتها الأحداث ذاتها ، مفادها : لاعراق دون شيعة ،ولاشيعة دون حشد ، لقد تمرس الشيعة في الفعل القتالي المختلف ،لأنهم هذه المرة قد أطّروا مواجهاتهم بشكل رسمي /قانوني سياسياً ، وبفتوى مرجعية عُرفت باعتدالها دينياً ، ما جعلهم يظهرون بصفة "مقاتلون من أجل الحرية " فلم يقاتلوا بأمر طاغية ، ولا عدوانية ارهابية أملاها التعصب والتكفير، كانت دوافعهم شديدة الوضوح ،مع التزامهم بقيم وسلوكيات ،قلما شهدتها الحروب .
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha