المقالات

طائفية ساسة العراق وعنصريتهم / الحلقة الثالثة (1) / ( طالب النقيب )


رياض سعد

 

 

ان اغلب شخصيات الاقلية الذين تصدروا المشهد السياسي والديني والثقافي في العراق ؛ هم من مجهولي الاصل ومدعي الالقاب والانساب وحديثي النعمة والسراق والفاسدين , بل ان بعضهم عمر الجوع فيهم يمتد الى سبع سلالات اذ جاؤوا مع الاتراك كعبيد وخدم وغلمان للمتعة , او من المهاجرين المتأخرين من الاغراب والأعراب , وان اول ما نلاحظه على هؤلاء الرجال هو ان ايمانهم بمثلنا وقيمنا العراقية العليا واهٍ ضعيف , بل ان اغلبهم لا يقدس العراق ولا يحترم العراقيين , فهم عبيد الدينار والدرهم دون اعتبار لقيم انسانية او وطنية , وحتى طائفيتهم كانت جسرا للعبور الى ضفة المنافع المادية والمكاسب الشخصية , لذلك ترى الغدر فيما بينهم السمة البارزة على مر العصور في بلاد الرافدين .

والسيد طالب النقيب واحد من هذه الشرذمة الغريبة العميلة المتملقة المتسلقة , فهؤلاء متلونون طالما تزيّوا بزيّ الحرباء حينما تقتضي مصالحهم الذاتية ان يسلخوا جلودهم ويلبسوا جلودا اخرى ؛ على وفق تغيّر الاحوال وتبدل المآل لتمرير رغباتهم والحصول على مكاسب مادية او معنوية على حساب الضمير والمسؤولية الوطنية وتعكير صفاء المجتمع العراقي ؛ فهم يرون ان لكل عصر لباسه ولكل حالة طرقاً اخرى للتكيف مع الوضع الراهن ، فهؤلاء يحسنون المراوغة واللعب على الحبال تحقيقا لمصالحهم الشخصية ومنافعهم الماديّة الفئوية والمناطقية والطائفية الضيقة ، ضاربين عرض الحائط المواقف الاخلاقية الملتزمة والمصالح الوطنية المهمة وهموم وامال العراقيين ، فهم لا يثبتون على حال واحدة ، يميلون كالأغصان الهشّة حيث تتجه الريح السلطوية والاستعمارية ؛ الا ان الامر الثابت في هؤلاء الخسة المادية , والجشع والطمع المغلف بالهوية الطائفية تارة والقومية تارة اخرى , والعمالة للأجنبي , وكره العراقيين لأنهم ليسوا منهم , وبغض العراق لأنه ليس وطنهم الاصلي .

مر عليكم في الحلقة الثانية من سلسلة مقالاتي ( طائفية ساسة العراق وعنصريتهم ) ان عائلة طالب النقيب جاءت مهاجرة من مندلي الى البصرة طلبا للرزق او لغاية في نفس السيد طالب – الجد الاعلى للعائلة – او بأمر عثماني في حدود النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكما هو معلوم ان اغلب سكان مندلي هم من الفيلية والاكراد والتركمان والايرانيين والمسيحيين واليهود والصابئة وبقايا العثمانيين من الاقوام الاخرى بالإضافة الى ثلة من العرب , ومن هذا الخليط المختلف هاجر المدعو السيد طالب ؛ او لعله ادعى انه من اهل مندلي وهو ليس منهم , فمن المحتمل انه جاء من تركيا , او من مكان بعيد بأمر من الخلافة العثمانية وادعى انه من الاشراف , وعندما حطت رحاله في البصرة , مد بصره طامعا في مصاهرة السيد درويش الرفاعي – نقيب اشراف البصرة آنذاك – والمنصب ايضا من العثمانيين ؛ فشبيه الشيء منجذب اليه او كما يقول المثل الجنوبي الدارج : (((حرامي الهوش يعرف حرامي الدواب )) ؛ وقد تم له ما اراد ؛ وبعد وفاة السيد درويش الرفاعي انتقلت النقابة من عائلة الرفاعي الى عائلة السيد طالب بقدرة قادر وبلمح البصر , واول من تولى نقابة اشراف البصرة هو ( عبد الرحمن بن السيد طالب ) عام 1874م , ولما كانت النقابة آنذاك مرتبطة بالطريقة الرفاعية ادعت عائلة السيد طالب النقيب انهم من ذرية السيد احمد الرفاعي , وان الرفاعية يدعون انهم من الاشراف الحسينيين وعائلة الشيخ عبد الرحمن في بغداد تدعي انهم من ذرية السادة الحسنيين , وبناءا على ما تقدم فعائلة النقيب حسنية حسينية ..!!

وكعادتهم في التدليس وتزوير الانساب لشخصيات وعوائل الاقلية الهجينة ؛ ادعى احدهم ان شجرة السيد طالب النقيب كالتالي : ((السيد طالب السيد رجب بن محمد بن سعيد السيد طالب درويش الرفاعي )) فقد نسبوا المهاجر الغريب السيد طالب الجد الاعلى لعائلة طالب النقيب الى الرفاعية بل جعلوا من السيد درويش الرفاعي ابا لهم وصهرا في الوقت نفسه ..!!

نعم ايها السادة انه منطق الخط المنكوس الذي يجعل الحق باطلا , والغريب مواطنا , والدخيل اصيلا, والسارق نزيها , والمجهول معروفا ... !!

والله يعلم والراسخون في اقبية المخابرات ان هذه العوائل والشخصيات قد لا تنتمي إلى الحسن او الحسين انما هم عوائل زرعها المحتل الغاشم في ربوع الوطن من اصول تركية او من الرعايا العثمانيين من البلاد البعيدة , فما هذا التشويش والاضطراب والخلط في انسابهم الا دليل على اصولهم المجهولة وتاريخهم الغامض .

 

وعائلة طالب النقيب عندما ادعت الرفاعية واستندت إلى اصول الرفاعيين ؛ تذكرت المثل الشعبي المصري الدارج : ((اتلم المتعوس على خايب الرجى )) ؛ فالرفاعية نفسها مختلف فيها , اذ ان الخلاف في اصل الشيخ الصوفي احمد الرفاعي معروف ؛ فقد ذهب بعض المؤرخين الى ان الشيخ احمد الصوفي لم يعقب قط ؛ بينما ذهب بعض آخر الى انه من سائر العرب , واليك بعض ما قالوا : قال العلامة شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي : ((سيدي الشيخ الكبير محي الدين سلطان العارفين أبو العباس أحمد بن الرفاعي، لم يبلغنا أنه أعقب كما جزم به غير واحد من الأئمة المرضية، ولم أعلم نسباً صحيحاً إلى علي بن أبي طالب ولا الى احد من ذريته الأطايب، وإنما الذي وصل إلينا وساقه الحفاظ وصح لدينا أنه أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن احمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة المغربي الأصل العراقي البطائحي الرفاعي نسبة إلى جده الأعلى رفاعة) ), وللعلم ان الشيخ الجليل والروحاني الكبير احمد الرفاعي من البطائح – اهوار الجنوب العراقي – وهو عراقي اصيل ابا عن جد الا ان الخط المنكوس كعادته ينأى بشخصيات العراق بعيدا ويحاول ارجاع اصولهم الى البلاد الاخرى حقدا وحسدا .

نعم ان قلت ان الشريف الرضي من الاشراف ورئيس نقابة الطالبيين صدقنا ؛ وذلك لوجود القرائن التاريخية المؤكدة , فهو من علية القوم كابرا عن كابر , وثقافته عراقية اصيلة , وتوجهاته كسائر العراقيين ؛ وان كنا نعتقد بأن النسب لا يقدم ولا يؤخر في صلاح المرء أو فساده فلا يجعل الرفيع وضيعا ولا الوضيع رفيعا ؛ ولكن سياسة القوم تعتمد الضحك على الذقون وتزوير الحقائق وقلب الامور رأسا على عقب .

وقد بزغ نجم طالب النقيب وبرز على الساحة السياسية في عام 1899وذلك عندما ارسله والده رجب النقيب لحل الخلاف الواقع بين الشيخ مبارك في الكويت ووالي البصرة حمدي باشا ، وقد نجح طالب النقيب في مهمته ثم عزل حمدي باشا من الولاية وعين مكانه محسن باشا ( 1899 ـ 1901 ) كما نجح في حل الخلاف الواقع بين الدولة العثمانية والشيخ خزعل شيخ المحمرة حول املاك الاخير في البصرة ؛ اذ ان وظيفتهم العثمانية تقتضي حل المشكلات العالقة بين الاتراك وخصومهم بالإضافة الى المحافظة على المصالح العثمانية , ولهذا السبب زرعهم الاتراك في مناطق العراق المختلفة وامثالهم من العوائل التي ادعت فيما بعد انها عربية او من الاشراف , و من خلال دعم الاحتلال التركي لهذه العوائل العميلة الدخيلة ؛ استطاع هؤلاء الغرباء اقتطاع اراضي عراقية واسعة , اذ سمحت لهم السلطات العثمانية بمصادرة اراضي العراقيين في الجنوب ظلما وعدوانا ؛ وذلك لإفقار وتهميش العراقيين الاصلاء وتأصيلا لوجود هؤلاء الدخلاء ؛ لتحقيق الاهداف الاستعمارية فيما بعد ومنها زرع التفرقة الطائفية وشق الصف الوطني وربط مستقبل هذه المناطق بالمستعمر والاجنبي والاستعانة بهم ضد ابناء البلد الاصلاء .

وفي عام 1901 عين متصرفا للواء الاحساء في نجد وانعم عليه بالوسام العثماني من الدرجة الأولى، ومن ثم برتبة بالا الرفيعة الشأن , ولقد استقال من المتصرفية بعد سنتين ثم عاد إلى الاستانة فعين عضوا بالقسم المدني من ديوان شورى الدولة العثمانية ، واستقر في منصبهِ حتى إعلان العمل في الدستور عام 1908 إذ انتخب عضوا في مجلس المبعوثان العثماني واعيد انتخابه في الأعوام 1912 و1914م .

ولقد أسس فرعا لحزب الحرية والائتلاف المعارض لحزب الاتحاد والترقي في 6 آب 1911، وأصدر جريدة أصبحت لسان حال الحزب التي صدرت في 9 كانون الثاني 1912. وبعد فوزهِ بستة مقاعد في مجلس المبعوثان عام 1914م، طالب بحقوق العرب في الحكم والمساهمة في الوظائف العامة وإقامة نظام لا مركزي في إدارة شؤونهم ومتابعة قضاياهم .

والسيد طالب النقيب كأسلافه ؛ فمن شابه اباه فما ظلم , فالسيد طالب لم يشبع من سرقات ابائه ولم يقنع بامتيازاتهم – امتيازات الخونة – , ولم يرض بالوظائف العثمانية , حتى راح يتخبط يمينا وشمالا , لا يقنعه شيء من فرط جشعه وانانيته , وقد اشاد بعض الكتاب بدور السيد طالب عندما حول البصرة قلعة للائتلافيين الاتراك ومؤيديهم , وقد غاب عن هؤلاء الكتاب الغاية التي دعت طالب النقيب لركوب موجة الائتلافيين , اذ دأب طالب النقيب على البحث عن المناصب العليا لاهثا وراءها , وكان حلمه ان يصبح حاكما للبصرة في ظل دعوات اللامركزية ضمن سلطة الخلافة العثمانية , وان ادعى الحمية الاسلامية والغيرة العربية والحس القومي .

وقد ذكر سليمان فيضي في مذكراته ما يلي

وهو يصف الانفصاليين - دعاة اقليم البصرة .. - : بأنهم فئة مترفة -لا همَّ لها إلا مصالحها... لا يردعها صوت ضمير أو نداء واجب -، وقعت - تحت ربقة الاستعمار - وخشيت أن تمس مصالحها بسوء، إذا ما تسنم عرش العراق ملك عربي وتولت الحكم فيه وزارة وطنية )) .

 

وقد عرف بعض العثمانيين المناوئين له بنياته في الاستيلاء على البصرة بحجة القومية العربية فهذه الامنية متجذرة في نفس النقيب حتى قبل مجيء الانكليز فأرسلوا اليه اثنين لاغتياله ؛ الا ان النقيب كان اكثر حيطة وحذرا منهما فكلف اثنين من جماعته بمهمة قتلهما وتم ذلك لانهما كانا اكثر مهارة , والقتيلان هما : القائد العسكري التركي في البصرة فريد بيك ؛ و متصرف لواء المنتفك بديع نوري الحصري وهو شقيق ساطع الحصري .

فبعد ثورة الاتحاديين عام 1908 واقرار الدستور العثماني وعزل السلطان عبد الحميد الثاني، تعرضت مكانة العوائل العلوية السنية المتنفذة الى الاهتزاز، بعد اعلان مبدأ المساواة بين رعايا الدولة وعزم الاتحاديين الغاء الحصانة او الاعفاء الضريبي على اراضي الاشراف وأملاكهم او بالأحرى الذين يدعون ذلك وما اكثرهم ، ورغبتهم في ايلاء المناصب الادارية والمالية في ضوء كفاية الافراد ، وليس النفوذ المحلي او الثروة او النسب ، وهذه المخاوف هي التي ساهمت في انضمام الكثير من العوائل السنية من الاشراف الى الجمعيات والمنظمات التي اخذت تطالب باللامركزية الادارية او الاستقلال الذاتي عن الدولة العثمانية امثال : طالب النقيب وغيره لا حبا بالشعب بل طمعا بالمكاسب و حفاظا على الامتيازات القديمة .

هذه الشرذمة لا تعرف غير لغة السلاح والقتل والفتك بالآخرين , ولا تبالي هذه العصابة بعدد القتلى او هويتهم , ولديها استعداد لعبور بحر من الدماء ؛ لأجل غاياتهم الدنيئة واطماعهم الوضيعة ؛ فما هم الا مرتزقة تعمل لمن يدفع اكثر ؛ اذ كان بإمكان طالب النقيب النجاة من الاغتيال والعفو عن ابناء جلدته واعضاء عصابته الا انه مجرم بالفطرة ومتعطش للدماء ولعل الوثائق التالية تبين ذلك ؛ فقد تباهى بغطرسته واجرامه وظلمه امام الحجازي كما سيأتي لاحقا .

واليك هذه المثال الذي يبين حقيقة طالب النقيب وامثاله من العصابة الباغية ؛ فبعد دخول الانكليز ادعى مقاومتهم ؛ بسبب ضغط الجماهير و حفاظا على ماء وجهه امام العراقيين , الا انه كالعادة سرعان ما سال لعابه امام المغريات والاطماع ؛ اذ طمع هذه المرة لا بحكم البصرة فقط بل باعتلاء عرش العراق , الا انه قد باء بالخيبة والفشل ايضا , ورضي ان يكون وزيرا في وزارة عبد الرحمن النقيب البريطانية فيما بعد , وقد ذكرت المس بيل في رسائلها ص/ 186 ( الرسائل ) وذلك عندما اعترض طالب النقيب محتجا على منصب وزير الداخلية الذي يعده مركزا ثانويا لا يليق به ولا يتناسب مع طموحاته السياسية في الاستيلاء على البصرة والعراق لكن استطاعت هي والمستر فلبي اقناعه على شرط : (( ان هذا لن يكون الا بعد الاعلان بأنه الرجل الثاني بعد النقيب لا غيره )) ولفرط طمع الرجل وعدم اقتناعه باي شيء ؛ اقترح ( طالب النقيب ) زيادة مخصصاته كوزير للداخلية بحيث تكون اكثر مما يتقاضاه الوزراء الآخرون – علما ان راتب الوزير كان آنذاك 3000 روبية - وقد اتفق الوزراء خارج المجلس على معارضة الاقتراح ؛ واخذ بعضهم يشجع البعض الآخر على الثبات امام السيد طالب .... الذي كان يثير فيهم مشاعر الرعب لاقتران اسمه بالبطش والظلم والفتك والغدر ... , وعندما انعقد المجلس بادر السيد طالب بطرح اقتراحه على الوزراء .. ووجه نظراته الى ( ساسون حسقيل ) فاذا به يتراجع..!! , امام نظرات السيد طالب التي تتقطر غضبا ....... وسارع الى القول ( موافق ) ويتعاقب الوزراء الواحد بعد الآخر قائلين ( موافق موافق ) ..!!! ؛ بينما تحاول الطغمة المارقة ان تلصق مصطلح ( موافج موافج ) لاحد شيوخ عشائر البو محمد والذي كان عضوا في مجلس النواب العراقي في العهد الملكي للاستهزاء وللتقليل من شأنه وشأن قومه لغاية في نفوس القوم معروفة ... .

ولما كان الطبع غالبا كما يقولون عاد طالب النقيب لسيرته الاولى وطمعه في البصرة و العراق ؛ فقد كان يمني نفسه بأمارة عربية تشمل البصرة وما جاورها علي غرار امارة الشيخ خزعل في عربستان او شيخ الكويت وكان على اتصال بالبريطانيين لكي يضمنوا له طموحه الشخصي وقد ازعجهم لكثرة الحاحه ومشاكساته السياسية , مما اضطر الانكليز الى نفيه خارج العراق ومات غريبا كما جاء جده طالب الى البصرة غريبا ؛ ولنرجع الى محل الشاهد ومثالنا الذي يسلط الاضواء على هذه الزمرة العثمانية ؛ فقد قال طالب النقيب عندما تم ترشيح فيصل الهاشمي ليكون ملكا على العراق ما يلي : ((أنه أحق من فيصل [الغريب] في حكم العراق )) ؛ فالنقيب يعير فيصل الحجازي بالغربة ولعله غريب مثله ان لم يكن اشد غربة ومجانبة للعراقيين منه ؛ وكما قال المثل العراقي الدارج : (( الاكرع يعير ابو حبه )) , ويرفضه كما رفضه النقيب الاخر الشيخ عبد الرحمن ؛ ولو تمعنت النظر في نعت طالب النقيب وكذلك في موقف عبد الرحمن النقيب من الملك فيصل ؛ ووصف الملك فيصل بالغريب ؛ لاكتشفنا سريرة القوم وحقيقة ما تضمره سرائرهم ؛ فهؤلاء ان لم تكن جذورهم تركية فهم من بقايا العثمانيين الذين جاؤوا بهم من مختلف اصقاع الارض او لا اقل هم ممن تربوا في احضان الاتراك ؛ فهذه النظرة الدونية للعرب من صفات الاتراك المتأصلة في نفوسهم المريضة وعقولهم العفنة فهم دأبوا على تشويه سمعة العرب وتنفير الناس منهم , ويتضح هذا الامر جليا من خلال احتكاك العرب بهم اذ تظهر حقارتهم تجاههم بمناسبة ومن دون مناسبة , ومهما حاول العرب التقرب منهم من خلال الروابط الدينية أو الجغرافية ؛ لا يفلحون , لانهم يضمرون للعرب الحقد والحسد والكراهية , فهم عنصريون إلى حد النخاع، وحاقدون إلى حد العظم، ولا يحبون أحدا إلا أنفسهم وينظرون للآخرين باحتقار ؛ ومما يذكر في هذا الجانب : ان الشاعر عبد الحسين الحويزي كان قد زار بغداد في اوائل العشرينيات ، فصحبه صديقه الشاعر الكبير الزهاوي الى بيت الشيخ عبد الرحمن النقيب، وعند دخولهما الى مجلس النقيب بادر الزهاوي مخاطبا النقيب :

ــ ايها النقيب الجليل جئتك بدرة يتيمة من درر النجف .

فتقدم الحويزي وقدم يده لأجل مصافحة النقيب غير ان النقيب لم يعطه يده واكتفى بقوله :

ــ اهلا وسهلا ...!!

و قد امتعض الحويزي من هذا السلوك الارعن ؛ فخاطبه مرتجلا بقصيدة ومنها قوله :

لم تخش سطوتك العليا وان عظمت ... لا يرهب الباز شخص جاره الاسد

وكالعادة تم تسويغ هذا التصرف الاهوج , بأن شيخنا المبجل المطمئن قلبه بذكر الله كان يعاني الوسواس القهري المتعلق بالنظافة والطهارة , نعم ان الشيخ مريض بمرض الطائفية ووسواس العنصرية , و هذا التعالي الفارغ تجاه هذا الشاعر العراقي الاصيل ان دل على شيء فإنما يدل على عقد النقص والغربة والخوف التي تعتري نفسية هذا الطائفي البغيض , ومن المعروف ان من تكبر على من دونه ذل وتملق لمن هو فوقه ؛ وقد مر عليكم في الحلقة الثانية من هذه السلسلة ان الشيخ عبد الرحمن كان يتشرف بخدمة الانكليز ولعق احذيتهم , ولا عجب في ذلك فقد ورث الشيخ عبد الرحمن النقيب من اسلافه العثمانيين الاغراب فكرة تقديس صاحب المنصب الأعلى، وتمجيد السلطة بغض النظر عن الحاكم حتى لو كان شيطانا رجيما , واليك هذا المثال الاخر الذي يكشف مدى نفاق وحقارة هؤلاء القوم , فكما هو معلوم ان الشيخ عبد الرحمن كان يكره الملك فيصل كرها شديدا , الا ان هذا الكره تحول الى حب مصطنع بمجرد اعتلاء فيصل للعرش , فعندما زار الملك فيصل دار النقيب، استقبله الابن الأكبر السيد محمود ، وقال مخاطبا إياه : إن أسرة النقيب يا سمو الأمير يدك اليمنى تستعملها أينما شئت في سبيل مصلحة البلاد ؛ ثم تقدم تلميذ صغير فتلا قصيدة الفرزدق المشهورة : (( هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. )) , شبهت عائلة النقيب التي زقت العمالة والتملق والتلون زقا ؛ الملك فيصل بالإمام علي بن الحسين السجاد ..!! ؛ من فرط تملقها وشدة تلونها وسرعة تحولها .

وشر البلية ما يضحك ؛ فاغلب الذين رفعوا لواء القومية العربية فيما بعد , وادعوا الدفاع عنها هم من هذه الشرذمة وعلى هذه الشاكلة وقد انطلى الامر على المغفلين والله يعلم انهم من الد الخصام الحاقدين ...!!

وصدق من قال : (( ما تاه إلا وضيع و لا فاخر إلا لقيط و لا تعصب إلا دخيل ))

فدائماً ما يكون المتعصب في قضية ما دخيلاً عليها وليس له علاقة بها ... وفي قضيتنا هذه ترى كل دعاة الطائفية والقومية وخصوصاً ممن يتعصبون ضد الاغلبية العراقية من اصول غير عربية بدءا ب(ساطع الحصري) الذي رفض تعيين الشاعر العراقي الكبير الجواهري على ملاك وزارته ، عندما كان معاوناً لوزير المعارف(التربية) في عهد الملك فيصل الاول والسبب ..لأنه شيعي !!! ؛ على الرغم من ان الملك قد اوصى به الا انه لم ينفذ الامر !! و(عبد المحسن السعدون – وان كان عربي الجذور الا انه تركي الثقافة والتربية - ) اللذين ما كانا يجيدا اللغة العربية بشكل جيد، وكانت لغتهم الاصلية التركية ، ومروراً ب (مزاحم الباججي) ذي الجذور التركية، و(طه الهاشمي) ذي الاصول القوقازية ، وانتهاءً ب (ميشيل عفلق ) ذي الاصول اليهودية البلقانية .. !!

بينما تصنف الكوفة جمجمة العرب , وحيرة الملوك المناذرة , والناصرية صاحبة واقعة ذي قار وبني شيبان , والبصرة التي هاجرت اليها القبائل العربية وحدانا وزرافات , وميسان التي رد الخليفة عمر بن الخطاب سبيها آنذاك لانهم من العرب – وهذا يعني ان العرب يقطنونها قبل مجيء المسلمين للعراق - ... على انها اعجمية وهندية وصفوية .... الخ !!! ؛ هذا الخط المنكوس وهذه اكاذيبه والاعيبه التي اضحت لا تخفى على بصير ذي عينين .

واليكم هذه المقارنة بين نقيبين واحوازيين ؛ مر عليكم انفا الموقف بين النقيب عبدالرحمن والاحوازي النجفي الشاعر عبد الحسين ؛ والنقيب الاخر السيد طالب النقيب والشيخ الامير خزعل الكعبي ؛ فقد ارسل طالب النقيب اليه رسالة تكشف لنا بعض حقائق هؤلاء وتسلط الاضواء على سلوكياتهم ومواقفهم المتناقضة المضطربة المتغيرة والتي لا تستند الى مبادئ نبيلة او اسس رصينة او قيم سامية ؛ وهذه نص الرسالة : (( سيدي الاخ المحترم دمتم موفقا امين , بعد التحية والتعظيم ابدي شوقي واشتياقي الذي لا يمكن اصفه , واخلاص المعلوم الذي ما يمكنك تخفيه , واني اشهر من نار على علم بتفاني لشخصك الكريم , واحب ان تكون مراجعاتك المادية والمعنوية لأخيك لأنه يقدمك على حياته في كل الامور , وحيث لي معتقد ان اخلاصك للدولة الفخيمة البريطانية تقدمك على غيرك في كل الامور اذاء احرزت اكثرية الاراء , فيقتضي الاجهاد الكامل والسعي الحثيث بشرط ان تدخل البيت من بابه فاذاء وافق رأيك ,فحاملها يتوجه معك , وتتذكرون وانك تنجح اذا تشمر ساعد الاجتهاد والسعي المتواصل , يشرفني عن صحتك وصحة الاولاد واخبار سياحتكم ونجاح مسعاكم واقبل تحياتي الخاصة سيدي )) ؛ والرسالة كما ترى عزيزي القارئ مملوءة بالأخطاء الاملائية والنحوية ؛ وركاكة الاسلوب عليها بادية وضعف التعبير فيها واضح , ولكن اللافت للنظر تملق هذه الشرذمة لأصحاب النفوذ , وخنوعهم امام الحكام , وجشعهم وطمعهم , فهم كانوا وما زالوا يستجدون الاموال من كل من عليها , ويتسولون امام ابواب السفارات والمخابرات , فالنقيب في هذه الرسالة يمجد بريطانيا صاحبة الفخامة ويدعو الشيخ خزعل للاتفاق معهم لاعتلاء عرش العراق بعد ان يأس من الفوز به ؛ لا حبا بالشيخ خزعل بل حبا بإقليم البصرة حلمه الذي طالما راوده ؛ و قد كشفت لنا هذه الرسالة عن كرم الشيخ خزعل واياديه وافضاله على طالب النقيب متغاضيا عن طائفيته ومتعاليا على عنصريته , فالإناء ينضح بما فيه ...

ولعل الشيخ خزعل الكعبي وكل ابناء البصرة الأطايب يحسبون أن المعاملة الإنسانية واكرام طالب النقيب ومن على شاكلته من الغرباء الوافدين قد تغير في طباع من جبلت نفسه على الإيذاء والشغب وإثارة النعرات الطائفية ، وعلى كل حال فإن عمله الإنساني هذا أكد واقع الإنسان العراقي الجنوبي المسؤول ، الذي يدفعه همه الاجتماعي وحسه الانساني وجذوره الحضارية النبيلة أن يفعل في سبيل وحدة الأمة مهما أمكن وسعادة العراقيين والمسلمين ، ولكن تقدير النتائج لم تكن من صنعه ، فللظروف أحكامها ، وللنفوس نوازعها، والأمراض الدفينة لا يمكن برؤها بسهولة ، وتبقى كامنة لا تكتشف إلا بمجاهر حساسة ؛ فقد فتك الغادرون بالعراق ولاسيما جنوبه واذاقوا اهله كؤوس الصبر والحنظل .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك