بقلم : سامي جواد كاظم
قد يبدو العنوان غريب او غير مألوف لما متعارف عليه بين اصحاب الصنعة او الذين على تماس معهم ، ولكن لو تانيتم قليلا لربما تنصفوني . اللغة العربية لغة رائعة بدليل القران الكريم وهذا امر لايقبل الجدل ، ولكن الغير ملتفت اليه هوكيف كانت حال اللغة العربية قبل البعثة واثناء البعثة وبعد البعثة باجمال العصور قاطبة .ثلاث مصادر اعتمدتها وعمدتها القران الكريم ثم شرح ابن عقيل وجواهر البلاغة ، كيف هو حال اللغة العربية قبل نزول القران ؟
حياة الجاهلية كانت حياة يسودها الجهل والفوضى وانعدام التشريعات التي تنظم الحياة وهذا ينطبق على اللغة العربية حيث لا نحو ولا قواعد يلتزم بها العرب في كلامهم لهذا نجد ان كل قبيلة لها اعتباراتها الخاصة في اعراب اللغة العربية . على سبيل المثال لا الحصر المعروف ان المثنى يرفع بالالف والنون وينصب ويجر بالياء والنون ، وبما ان الجاهلية تعني الفوضى فنجد قبيلة بني كنانة والحارث وكعب والعنبر وهجيم وبطون من ربيعة وغيرهم يرفعون وينصبون ويجرون المثنى بالالف والنون . الاسماء الخمسة والسادسة قليلة الاستعمال فالمعلوم اب واخ وحم وغيرها انها ترفع بالواو وتنصب بالالف وتجر بالياء وشذ بعض العرب بجعلها مطلقة بالالف أي ترفع وتجر وتنصب والبعض بحذف اخر حرف وهو من حروف العلة . (ما ) يقول عنها بنو تميم انها نافية اما الحجازيون يقولون انها زائدة لا عمل لها وكل يستند الى تعليل هو يجده لكي يثبت رايه وهكذا .
الخلاصة ان الجاهلية التي يعرفون بها قبل الاسلام قد القت بضلالها على اللغة وهذا الكلام اقصد به القواعد وليس البلاغة ، ولان القواعد غير منظمة في كلامهم نجد الشعراء الذين يلقون شعرهم يحوي الكثير من هذا الشذوذ اللغوي على عكس اللامتياز البلاغي والذي يعتبر احد الاسباب لنزول القران الكريم بهذه الطريقة البلاغية الرائعة التي سحرتهم وما عرفوا كيف يردوه .لهذا نجد العرب على مستوى البلاغة كانت قمة في الروعة بل ان صغيرهم شاعر وكبيرهم عبقري بل حتى نسائهم طليقات اللسان فصيحات الكلام لهذا لا يوجد فيهم من لا يقول الشعر على عكس القواعد العربية . .الحقيقة المجهولة لدى الاغلب هو انه لولا القران لكانت اللغة العربية في ادنى مستوياتها كيف ذلك ؟ هنالك ايات قرانية وقف اللغويون في كيفية اعرابها ومن خلال دراسة اللغة العربية في الجاهلية توصلوا الى العلة من احتواء القران لمثل هذه المفارقات مثال ذلك قوله تعالى ( ان هذان لساحران ...) حيث ان تدخل على المبتدأ فتنصبه وعلى الخبر فترفعه هنا لماذا لم ينصب المبتدأ ؟ هنا احتوى الاختلاف الذي اشرت اليه اعلاه في اعتبار المثنى يرفع وينصب ويجر بالالف والنون ، واكد ذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عندما قال لا وتران في ليلة ، وكذلك قول الشاعر تزود منا بين اذناه طعنة .... بالنسبة الى الاية القرانية هنالك من يعلل هذا الشذوذ تعليل اخر وهو الحرف ان جاء بمعنى نعم كما قال الشاعر ويقلن شيب قد علاك وقد كبرت فقلت انه ) هنا انه جاءت بمعنى نعم والهاء هي هاء السكت ، اية من كلمتين فيها شذوذين .
القران المعجزة اصبح المرجع الرئيسي لمعرفة فقه اللغة العربية وهذه احدى معاجزه وهذا جعل كل من ينطق اللغة العربية اذا ما جاء بشيء خلاف الموجود في القران يعتبر شاذ ولا يؤخذ به على اعتبار انه خلا ف القواعد اللغوية التي ارساها القران الكريم . اكثر شريحة مارست هذا الشذوذ هم الشعراء وطالما ان الكل يقول شعرا اذن الكل يقول شذوذا على المستوى قواعد اللغة العربية اؤكد على هذا للتفريق بين البلاغة والقواعد .المفارقات والاعتراضات التي اقولها هي ان البلاغة علم اتضحت معالمه مع نبوغ الجاحظ المتوفي في بداية القرن الثالث للهجري الا انه لم يعطي تفاصيل البلاغة والذي اغنى الساحة البلاغية بالمصطلحات والامتيازات هو عبد القاهر الجرجاني حيث اعتبر هو ابو البلاغة المتوفي في 471هـ وكان هنالك بلاغيون غيرهم منهم السكاكي والعسكري الا ان واضع علم البلاغة او صاحب الحظ الاوفر في ذلك هو الجرجاني ، وهنا لااريد ان اتطرق الى ما استجدثاه في هذا العلم المكتشف من قبلهم سوى ان اشير الى نقطة واحدة مثلا المحسنات المعنوية فقد قسموها الى 55 باب من المحسنات المعنوية ناهيك عن ابواب المحسنات اللفظية والمجاز والتشبيه والكناية والتورية وما الى ذلك من اقسام وفروع وابواب ، والحقيقة اقضل واهم قسم بلاغي له حضور في البلاغة والكلام والشعر هو باب التشبيه حيث المشبه والمشبه به ووجه الشبه واداة التشبيه حيث تعتبر المحور الرئيس في كلام العرب .السؤال هنا قبل اكتشافهم علم البلاغة وتقسيماته هل كان العرب في الجاهلية يلتزمون بهذه القواعد البلاغية ام كانوا يقولون شعرا وخطابة على سجيتهم ؟ اعتقد لا يعرفون شيء من هذه الابواب وانهم على الفطرة يقولون كلامهم فلو قلنا لهم هذه الابواب اقسام البلاغة والتزموا بها وقولو شعرا لما استطاعوا ان يبدعوا كما ابدعوا قبل وجود علم البلاغة .
لهذا تجد مع بداية دراسة البلاغة وعلومها وتقسيماتها قل الكلام البلاغي عن العرب بحيث انه اذا ما تكلم شخص ما بطريقة بلاغية رائعة يشار له بالبنان ويصبح علم وكانه حالة نادرة ، فلو قلت كلاما لااتمسك بالقواعد البلاغية هذه وقد اعجب مجموعة من السامعين هل يعد هذا شذوذا وخرقا للبلاغة ؟! ان قيل نعم اقول كما قسمتم الابواب البلاغية اكتشفوا او استحدثوا باب بلاغي بالذي قلناه .
اما الشعر واه من الشعر الذي لم يلتزم بقواعد اللغة العربيةايام الجاهلية الى ان وضع الامام علي عليه السلام علم النجو عندما سمع شخص يلحن في قول الله عز وجل بالاية الكرينة ( ان الله بريء من المشركين ورسوله ) حيث فهمت ان الله بريء من رسول الله عندها استدعى الامام علي عليه السلام ابا الاسود الدؤولي واعطاه الاسس الصحيحة للغة العربية وقال له انح هذا النحو وبسبب ذلك سمي علم النحو .بعد ذلك بدأ الشذوذ اللغوي بالتقلص الا ان الشعراء وتيمنا بشعراء الجاهلية بقوا على حالهم في اختراق اسس اللغة العربية من غير الالتزام بالقواعد العربية الفصيحة ، وابن عقيل الذي شرح الفية ابن مالك ووضح اسس القواعد العربية يقول يستثنى من ذلك الشعراء ،حتى ان سيبويه هذا العلم الذي شهرته تسرع امامه هل تعلمون كيف مات ؟ مات بسبب اتفاق بعض اللغويين على عكس اعراب كلمة وكذّبوا سيبويه فمات قهرا وهو في العقد الرابع من عمره الاعتماد الاول والاخير يكون على الخيال في نطق الشعر بدرجة ان كل من له خيال واسع قيل عنه شاعر رائع وهذا الشعر حاله حال البلاغة فلقد تصدى له بعض المتخصصين في الشعر لوضع اسس يعتمدها الشاعر في شعره فأسس له علم العروض واول من أسس هذا العلم هو الفراهيدي .هنا علم العرض وبحوره هل كان شعراء الجاهلية يلتزمون بها او ان لهم علم بهكذا بحور؟ من المؤكد كلا ، ولو قلت لهم أي لشعراء الجاهلية نظموا لنا شعر من البحر الوافر او الطويل فانه سيستغرب من الطلب ويعجز عن تحقيقه .
هذه العلوم البلاغية والشعرية ادت الى تراجع البلاغة والشعر بدليل ما هو عليه الحال في الوسط العربي وظهور لهجات بعيدة كل البعد عن البلاغة بل ان العربي اصبح يستصعب نطق العربية ببلاغة او فهمها وهذا ينطبق على الشعر، هذا الاستنتاج جاء من خلال الاطلاع على الموسوعة الادبية فوجدت ان في الجاهلية بالاضافة الى انهم يقولون الشعر ان فيها ما يقارب على ثلاثمائة شاعر فطحل واما في العهد الاسلامي فقد تقلص العدد الى المائة شاعر تقريبا واما اليوم لايتجاوز عدد اصابع اليد الواحدة ، هنا عندما اقول فطحل اقصد به على وزن المتنبي والمعري والجواهري لا على مستوى اغلب شعراء اليوم .
قد يتهمني من يقرا مقالي انني متجني على الشعر والشعراء اقول لا بل هنالك امر رائع واحد في الشعر هو قوة الخيال الذي سموه البلاغيون التشبيه اما عند الشعراء العرب القدامى يسمى خيال بل حتى خصصوا له جن سمي هذا الجن عبقرى فاذا ما قال احدهم كلام رائع فيه من الخيال الرائع قيل عنه عبقري نسبة الى هذا الجن ، واذا ما وظف هذا الخيال بالاتجاه الخطأ يصبح في عداد الغواية حيث لايوجد غناء وطرب الا من الشعر ولكن يوجد من الشعر ما هو صحيح خصوصا الذي قيل في حب ال البيت او الحكمة او كما هو عليه الحال الفية ابن مالك .
https://telegram.me/buratha