الكاتب المحلل السياسي سعد الزبيدي||
لن يكتب النجاح لأي مشروع إلا إذا توفرت شروط عدة أبرزها الاختيار الأمثل لقائد يمتلك الارادة الشجاعة والنية الصادقة مع خبرة ودراية في فن الادارة شخص مستعد لمواجهة المصاعب والتحديات يثق بنفسه وفي فريقه الذي يختاره و مستشارين يختارهم بعناية ودقةمؤهلين يمتلكون ملكة توليد الافكار والقابلية على حل المشاكل مهما صعبت وتشابكت وضغطت الظروف ولابد أن يكون القائد شجاعا يعشق التحدي ولا يهدأ له بال حتى يضع خطة محكمة لبرنامج حكومي عازم على تحقيقه وعلى أرض صلبة يضع فيها قدميه وقوى تدعمه من أجل النجاح ولكن ما نجده في العراق يختلف فأول ما يواجه أي رئيس الدستور الذي كتب في ظروف استثنائية حثت فيه المرجعية الرشيدة فيه ابناء الشعب للاطلاع عليه والتصويت عليه للخلاص من نير المستعمر وللاسف الشديد سوف يستخدم البعض هذا الدستور المقدس الغير قابل للتبديل والتغيير كأداة تسقيط تارة وأداة ابتزاز ولعرقلة عمل الحكومة تارة.
وهذا الدستور الذي كتب على أساس مكوناتي هو من أسس للمحاصصة التي انتجت الفساد والمنظومة السياسية هي من اوجدت عرفا سياسيا سارت عليه منذ عقدين من الزمن وهذا الدستور الذي أسس لبناء حكومات توافقية سيتم استغلال هذا العنوان لاجبار أي رئيس للموافقة على مرشحين للوزارات يقبلهم على مضض ويمنعه الدستور من تبديلهم إلا بالتصويت على تغييرهم من قبل مجلس النواب ولذلك أرى ان الدستور الذي كان من المفترض أن يكون قوة دافعة لأي رئيس حكومة أصبح كعصا وضعت في الدولاب ستمنع العجلة من المسير. الحديث حول السيد السوداني الذي اثبت للجميع أنه يختلف عن سابقيه حديث شيق فهو عازم على النجاح وصرح بذلك في أول اجتماع له مع فريقه الوزاري حيث طلب من الجميع وخيرهم بين أمرين أما أن يعملوا بجد واجتهاد وأن ينفذوا ما تم تكليفهم به أو ترك المنصب وفسح المجال لغيرهم وصرح أن أي وزير ضمن فريقه انتهت علاقته بالحزب والكتلة التي رشحته حال استلامه المنصب وعليه أن يعمل للعراق ولاشيء غير العراق.
وفي الوقت ذاته قطع على نفسه عهدا بعد ان تفاوض مع الجهات التي رشحته أنه سيعمل بما يمليه عليه ضميره وأن لن ينصاع لأي ضغوط ودعا لتفعيل استمارة تقييم عمل الحكومة والوزراء وطالب مجلس النواب وبقية الجهات الرقابية والفعاليات الجماهيرية بتقييم المسؤولين بحيادية تامة بمنتهى الشجاعه وبعد مضي ستة أشهر من عمر الحكومة باتت بوادر نوايا التغيير جلية حيث ستشمل بعض الوزراء وبمن هم في درجتهم وكثيرا من المدراء العامين ولكن يبقى السؤال الأصعب هل سيستطيع السوداني ان يضرب القوالب الجامدة للدستور عرض الحائط وهل ستتخلى الكتل عن انانيتها بعدم الموافقة على تغيير وزراءها وتبديلهم بمن هو أسوء من سابقيهم وهل ستلعب التحالفات السياسية والمصالح الضيقة دورها في عدم مؤازرة الرجل الذي سيكون بين مطرقة الكتل والتحالفات السياسية التي لن تفرط فيما تظنه حقا مشروعا لها ومابين القاعدة الجماهيرية التي فقدت الثقة في المنظومة السياسية ودعمت الاحزاب التي شكلت المشهد السياسي في فرصة اخيرة للمنظومة السياسية بعد ثورةوتشرين وقاعدة الصدر الجماهيرية التي تراقب المشهد عن كثب وتحاول أن تتأكد من مصداقية الرجل في العمل لتنفيذ برنامجه الحكومي ورفضه أن يكون أداة تتحكم به الكتل التي دفعت به إلى هذا الموقع ورفضه الابتزاز والمساومة من كتل أخرى مصابة بمرض الأنانية المفرطة؟!
تعودنا في مناسبات سابقة أن اللاعبين الحقيقيين في المشهد السياسي لا يتجاوزون عدد أصابع الكفين ولكل منهم له غايات واهداف وإذا ما استطاع السوداني بحنكته السياسية باقناع الاحزاب والتيارات الشيعية في منحه الفرصة في تغيير ممثليهم في وزاراته وفي الكوادر الوسطية فلا أظن أن الأمر سينجح مع الاخوة الكورد والسنة وعليه أن يمضي في خطوته الجبارة تلك فهو لا يريد أن يثأر من مكون ما والموضوع ليس شخصيا بقدر ما هو حاجة ملحة وهي خطوة بناءة بعد تقييم لفترة زمنية كافية استطاع فيها الوصول إلى قناعة في فرز من يستحق العمل معه ممن لا يستحق وأرى ان على السوداني أن يستمد قوته في هذا التغيير على المكون الأكبر لأنه مرشحهم وكذلك على دعم المرجعية التي بح صوتها من أجل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وازاحة استبعاد المجرب الفاشل وعلى القواعد الجماهيرية التي تنتظر الكثير من الرجل. الجماهير سترى بأم عينها حقيقة من يرفع شعارات للمتاجرة بآلام الجماهير وستسقط كثير من الاقنعة عندما تسمع بعض الكتل ستعترض على تغيير هذا الوزير اوذاك او هذا المسؤول أو ذاك وتعتبره نوعا من الاقصاء والتهميش وربما ستعتبر هذه الخطوات خطوات كيدية ولا يخفى على الجميع أن المناصب كانت تباع وتشترى في زمن الحكومات السابقة ولا أعتقد أن من باع هذا الكرسي على استعداد لأعادة المال لذلك سوف يستقتل في الدفاع عمن باعه المنصب حتى لا يكشف أمره.
المهمة صعبة جدا والتركة ثقيلة والمشوار صعب جدا والموضوع بحاجة إلى استقلال تام في القرار وشجاعة وثورة حقيقية كنا ننتظرها منذ زمن في تغيير اداري شامل يقتلع الفساد والبيروقراطية والمحسوبية من جذورها لننطلق في بناء دولة على اسس رصينة يكون المعيار فيها الكقاءة والاخلاص والمثابرة والوطنية. الفرصة سانحة للتغيير وبالرغم من كل التحديات الداخلية والخارجية أرى أن السيد السوداني سيثبت للجميع أنه أهل لهذه المهمة التي ستكون منعطفا في تأريخ العراق بعد ٢٠٠٣ وربما ستكون البداية حتى يلمس المواطن حقا أن المنصب تكليف لا تشريف وأن المسؤول ماهو إلا موظف يجب عليه أن يثبت كفاءته ليستمر في منصبه وأن عهد الفوضى والبيروقراطية والرشوة سيكون عما قريبا شيئا من الماضي.
أعتقد إن نجاح السوداني بحاجة ملحة وحتمية في تغيير كثير من مواد الدستور وعدم التعامل مع الدستور وكأنه كتاب مقدس منزل من السماء غير قابل للخطأ فكل ما ينتجه الانسان يستحق النقد والتمحيص والتغيير بما يخدم الشعب الذي وضع له.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha