محمد شريف أبو ميسم ||
استطاعت الحكومة الحالية وباصرار أن تضع خطواتها الأولى بالاتجاه الصحيح بالرغم من عدم وجود موازنة مالية، وبالرغم من مخلفات سياسة التوافقات على مدار عشرين سنة والمتمثلة بظواهر الفساد وسياسة لي الأذرع، بجانب التبعات القانونية والاجرائية التي سحبتها الاتفاقيات وما يسمى باشتراطات الاصلاح الاقتصادي التي فرضتها الجهات الدولية.
بيد ان الملاحظ بشأن تنفيذ البرنامج الحكومي وتقديم الخدمات ، هو اعتماد جهد الدولة ومؤسساتها أكثر من اعتماد أو تفعيل دور القطاع الخاص بالرغم من ما يعلن هنا أو هناك بشأن النية في منح الرساميل الخاصة مساحة أكبر في تقديم الخدمات وتحقيق التنمية، فضلا عن حلة اقتصاد الدولة التي ترتديها خطابات عموم القائمين على الوزارات.
ونحتاج هنا أن نقف عند هذه الملاحظة طويلا ونتأملها بعمق لنعي ما يدور من حولنا ، لأنها ملاحظة لا تنسجم تماما مع توجه الارادات الدولية التي صنفت العراق بوصفه دولة ليبرالية تابعة، ستقودها رساميل العولمة وتحل فيه سلطة رأس المال شيئا فشيئا محل سلطة الدولة . ما يعني ان تلك الارادات وان انشغلت في صراعها مع روسيا وتقهقرت نسبيا في الشرق الأوسط لصالح الصين وايران في سياق تكتيكي، الا انها لن تتخلى عن مشروعها القائم على وجود عراق تقوده الشركات التي تحكم العالم وتستبدل فيه سلطة الدولة بسلطة رأس المال الأجنبي، ما يتطلب الانتفاع من الفرصة ووضع أساسات قانونية للشراكة مع القطاع الخاص باتجاه نظام اقتصاد السوق الاجتماعي، لأن سحب البساط والالتفاف على انجازات أي حكومة، سهل جدا بالنسبة للارادات الدولية ما لم تكن تلك الانجازات مستندة على تشريعات قانونية.
والملاحظة الثانية تتعلق بالاستقرار الذي تشهده البلاد، بوصفه خيارا وحيدا حاليا لضمان استمرار وبقاء مشروع الارادات الدولية التي صنعت التغيير، تمهيدا لعبور مرحلة التوتر الحالية في العالم، لأن التصعيد الذي كان مخطط له بهدف التخلص من القوى الوطنية الرافضة للتواجد الأجنبي، بات في ظل حالة التوتر الدولية خيارا قد يفضي لحالة صدام تطيح بالتواجد الأجنبي وتنسف مشروع الهيمنة على الشرق الأوسط، الأمر الذي يفضي وبالضرورة الى علو كعب المقاومة الرافضة للتواجد الأجنبي وحلفائها الأقليميين ، وبالتالي ازدياد نفوذ الصين وروسيا وخسارة مشروع الهيمنة على المنطقة بوصفها قلب العالم الجديد ،ومركز حركة التجارة الدولية، ومصدر للخامات والطاقة والأسواق الاستهلاكية الكبرى وسوق للأيدي العاملة الرخيصة والبعيدة عن قوانين العمل وقوانين البيئة، فضلا عن كونه مشروعا مدعوما بالشعار الصهيوني "من الماء الى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى".
من هنا، فان من الحنكة السياسية الآن ، أن تتسع مساحة التعاون الاقتصادي مع الأطراف الدولية الأخرى دون ضجيج، بما يخلق حالة من التوازن في التعاملات الدولية.
ومن المهم أيضا ، ان تدرك بعض القوى السياسية الفتية حقيقة دور الارادات الدولية بهذا الشأن، وتستوعب ان القفز على الدستور والقوانين في تحقيق المصالح بفعل التوافقية ليس حقا مشروعا كما كانت تفرضه سياسة لي الأذرع، ولنا في القوى الكبيرة التي عرفت بهذه السياسة مثالا، بعد أن اذعنت وأقرت أن لا مجال لممارستها في هذا الوقت.
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha