احلام الخفاجي ||
اتركوهم تغشاهم امنة نعاس, يتقلبون في فرشهم والشمس تزاورهم, تارة ذات اليمين وتارة تقرضهم ذات الشمال, وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد, وهم على يقين ما إن يتنفس الصبح حتى تُطرق بابهم, لُيحمل لهم بين طيات جلبابه قوت ارواحهم قبل بطونهم, فلا تخبروهم بان علي قد رحل.
ياباالحسن بعدك كم من جائع وقف على عتبة الدار يتضور جوعاً ينتظر ان تُطرق بابه ولم تُطرق؟ هل يعلم ذلك المرادي اللعين مافعل؟ هل يعلم منذ فعلته النكراء تلك, ولم يزل شبح اليتم يخيم على ديارنا المتهالكة المتعبة, والتي هرٍمت ملامحها لفقدك وغيابك؟
نسوة قضينً ليلُهنً يقلبن الافكار, على موقد الانتظار بكف العوز والحرمان, لعله ياتي ممتطيا جواد الجود, حاملا في رحله رغيف السر يسد به رمق الجياع, اه كم هو لذيذ ذلك الرغيف من يد علي, رغيف خبز معتق بالحب والرحمة.
تنفس الصبح على حين غفلة, فلملم جلبابه يمشي على استحياء وتولى الى الظل, فلم يكن كريما هذه المرة لانه لم ياتٍ بعلي, ذلك الصابر المحتسب الذي كان يقطع ازقة الكوفة متهجدا, ليصلي الفجر ولتستنشق شيئاً من عبير انفاسه ولتنال شرف الصلاة بامامة علي.
ها هي الشمس قد توسدت كبد السماء ولم ياتٍ, ومازال الفقراء يهرعون لكل طارق لعله هو, بل اكاد اجزم ان باب الدار شكت القطيعة بعده.
مر يومان على فقده حتى علم الايتام ان علياً خُضبت هامتهُ بيد اشقى الاولين والاخرين, الان قد حصحص الحق وعرفوا صاحب رغيف السر, انه علي ما ان غاب حتى غاب معه الكرم, علي الذي بيده قتل صناديد العرب وناوش ذؤبانهم, ليستقيم الدين, لنراه بنفس تلك اليد يمسح على رؤوس اليتامى والجياع ليزيل عنها قترة الايام, ولتبرئ جراح ارواحهم قبل اجسادهم التي لولا يد علي لكانت اوهن من بيت العنكبوت.
علموا ان دواءه اللبن, فصنعوا من اكف قلوبهم وعاءً, ملاوه بلبن رد الجميل بنكهة الحب, وجاءوا به يطرقون بابه باياديهم الصغيرة, التي مافتئت تحلم ان تُزهر تحت عباءته, صارخين خذوا اللبن وردوا لنا ابانا علي.
هيهات هيهات, فقبلكم صرخ سٍرب الاوز وكان لسان حاله يريد ان يبقيه, عندما استشعر الفقد, الذي تجسد امام ناظره بعينين غائرتين اتعبهما البكاء لماسيجري, كث الشعر يهيل على راسه التراب, وهو يسمع علي يردد صوائح تتبعها نوائح.
تعلقت عروة الباب هي الاخرى بردائه, متوسلة لتثنيه عن الخروج وكان لسان حالها يقول:
امكث هنا, وستّنزل الملائكة والروح فيها عليك ولنقرا معا سورة القدر تحت الكساء اليماني,افلت يده منها قائلاً هيهات هيهات, والله انها الليلة التي وعدني بها اخي رسول الله (فاشدد حيازيمك للموت فانك ملاقيه)وتلك الزهراء تقف على باب الجنة تدعوني لاقبل لتمسح على جرحي ليبرئ وحدها هي من تداوي جراحي من قبل ومن بعد.
يا ابا الحسن برحيلك من لليتامى بعدك؟ منذ ذلك الفجر ومازلنا نتذوق طعم اليتم كل حين, فلم يراعوا فينا (اما اليتيم فلاتقهر) صرنا نُصبر انفسنا ببقيتك من بعدك, صالح بعد صالح, لكن لهف نفسي عليهم مابين مقتول ومسموم وغائب.
غائب منذ الف ونيف من سني الغياب,
ونحن ننحت من جبال الصبر بيوتا, لانتظار ذلك الموعود بقية منك, اجتمع فيه عدل وعطف وصبر وشجاعة علي, فاقسم ليملاها قسطا وعدلا, كما مُلئت جورا وظلماً.
يا ابا صالح, يقينا ستُقلع باب الغيبة بيدك تماما, كما قلع جدك بالامس باب خيبر, فعيوننا لذلك اليوم شاخصة.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha