عادل الجبوري ||
-"تتزامن ذكرى استشهاد المرجع الكبير المفكر السيد محمد باقر الصدر مع يوم سقوط الطاغية وإنهاء حقبة ديكتاتورية حكمت العراقيين بالحديد والنار، ما يمثل إرادة إلهية تؤكد استحالة استمرار الظلم مهما استبد".
-"ذكرى استشهاد السيد الصدر مع سقوط النظام الديكتاتوري تؤكد انتصار الحق على الباطل".
-"نهاية صدّام درس لكل من يتواجد في الحكم، بأن ينظر إلى مصير الطغيان والقتل والسرقة ويذهب بالبلاد إلى سياسات عبثية".
-"مما يزيد من أهمية استشهاد المرجع السيد محمد باقر الصدر، ويعزز من مكانة هذه المناسبة العراقية الوطنية أنها تزامنت مع موعد انهيار وزوال الحكم البعثي الجائر الذي تسبب بالدمار والخراب للعراق، وسقوط صنم الطاغية الذي حاصر الشهيد الصدر وأصدر قرار اعدامه، ليكون التاسع من نيسان عهداً مدّخراً ووعداً مضموناً في غيب الله تعالى يجسد وعده الحتمي بالقصاص من الظالمين والانتقام من المجرمين ولو بعد حين".
هذه العبارات، كانت من بين الكثير مما قيل في الذكرى السنوية الثالثة والاربعين لاستشهاد اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر واخته العلوية بنت الهدى، والذكرى السنوية العشرين لسقوط نظام صدام، ذلك النظام الذي ارتكب أبشع الجرائم ضد العراقيين، وكان اعدام الشهيد الصدر واخته من بين أبرز وأفظع تلك الجرائم.
أقدم صدام حسين على إعدام السيد محمد باقر الصدر بعد أقلّ من عام على استئثاره بالسلطة في تموز-يوليو 1979، ليشنّ بعد شهور قلائل حرباً عبثية مدمرة على إيران التي كانت قد تخلَّصت للتو من الشاه محمد رضا بهلوي عبر ثورة شاملة قادها الراحل الامام الخميني(قده) ليؤسس نظاما سياسيا جديدا يقوم على قيم واحكام ومبادئ الدين الاسلامي الحنيف، حيث دامت تلك الحرب ثمانية أعوام كاملة وخلّفت دمارا وخرابا هائلا وخسائر بشرية كبيرة من كلا الشعبين العراقي والايراني.
وكان من الطبيعي جداً، وارتباطاً بالنهج الدموي الإجرامي لنظام حزب البعث في العراق، أن ينتهي مصير السيد الصدر إلى الإعدام، وخصوصاً بعد مواقفه العلنية والصريحة في معارضة ذلك النظام، وتأييد الثورة الإسلامية الإيرانية. بيد أنَّ النتائج والمعطيات التي كانت الدوائر الغربية والعربية تأملها من وراء الإعدام والحرب جاءت معاكسة تماماً، فالتخلّص من المرجع الصّدر لم ينهِ أو يخفّف أو يقلّص حركة ومظاهر الرفض للنظام الحاكم، بل أدى إلى توسع نطاق النشاط والتحرك السياسي الإسلامي ضد النظام، سواء داخل العراق أو خارجه، والحرب على إيران لم تفضِ إلى إسقاط ثورة الامام الخميني وانهيار النظام الاسلامي الجديد في ايران.
في واقع الأمر، كان ذلك أحد المؤشرات المبكرة لفشل السياسات الأميركية في المنطقة، وهو ما اعترف وأقر به العديد من كبار الساسة والمساهمين في صنع السياسات واتخاذ القرارات في واشنطن.
إنَّ إسقاط نظام صدام في ربيع عام 2003، والتعاطي الأميركي مع مجمل عناوين الحركة الإسلامية، الذي كان الشهيد الصدر أحد أبرز الذين وضعوا أسسها وركائزها النظرية والعملية، لم يكن يعني بأي حال من الأحوال أن الولايات المتحدة أعادت ترتيب أوراقها وخططها وأهدافها واتجهت إلى تصحيح أخطائها، إنما الوصف الأفضل والأقرب إلى الواقع هو أنها "انحنت للعاصفة تفادياً لنتائجها الكارثية عليها".
ولا يحتاج المرء إلى كثيرٍ من الجهد لاكتشاف حقيقة أن مزاج الشعب العراقي بات بعد مرور عقدين من الزمن سلبيا إلى حد كبير حيال الولايات المتحدة الأميركية، بحيث أصبح هناك إدراك بأنَّ الكثير من المشاكل والأزمات والكوارث التي حصلت كان من الممكن أن لا تقع لولا السياسات الخاطئة -عن قصد أو من دون قصد- لواشنطن، بدءاً من عهد الحاكم المدني بول بريمر، والَّذي شهدت الأشهر الـ14 لعمله في العراق وقوع أخطاء كارثية انسحبت تأثيراتها على المراحل اللاحقة لها.
بعبارةٍ أخرى، إذا كانت السياسات والمواقف الأميركية والغربية، وكذلك العربية، هي التي خلّفت مجمل الكوارث والويلات التي حلَّت بالعراق بسبب نظام صدام، فهي ذاتها تقريباً التي كرست مظاهر الفوضى والاضطراب والارهاب وغياب الاستقرار في العراق بعد التاسع من نيسان-أبريل 2003، فالولايات المتحدة الأميركية التي احتلّت العراق، وفرضت حاكما أميركيا عليه يتصرَّف كيفما يشاء، هي التي حلت معظم مؤسساته الحكومية، العسكرية والأمنية والسياسية والإعلامية، وهي التي أباحت عمليات نهب أموال الدولة وممتلكاتها، وأوجدت ثقافة "الحواسم"، وهي التي صاغت معادلات سياسية قلقة قامت على اعتبارات طائفية وقومية، لم تكن سوى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة، وهي التي هيّأت ومهّدت الأرضيات المناسبة للتنظيمات والجماعات الإرهابية المسلّحة، لتصول وتجول في طول البلاد وعرضها، وهي التي شرعنت ثقافة الفساد الإداري والمالي، لتتعطل الزراعة والصناعة، وتتراجع الخدمات الأساسية، ويتدهور التعليم، وتنعدم فرص النهوض، وتتلاشى آفاق التقدم والازدهار.
وبقدر ما عجزت الولايات المتحدة الأميركية عن تبرير الكثير من سياساتها، سواء في العراق أو غيره، فهي وجدت نفسها عاجزة بدرجة أكبر عن إغلاق الملفات التي فتحتها، ووضع حدّ للتداعيات السلبية الكارثية التي جعلتها تبدو ضعيفة ومرتبكة ومنبوذة ومستنزفة ومحاطة بالخصوم والأعداء من كل الجوانب والاتجاهات. وما يصدُق على حرب الولايات المتحدة ضد العراق، يصدق على حروب مماثلة عديدة شنّتها على دول مختلفة خلال العقود السبعة المنصرمة، لعلَّ أبرزها حرب فيتنام (1955-1975)، وحرب أفغانستان (2001-2014)، إذ إنَّ الأدوات والممارسات والسلوكيات والأهداف والذرائع والمبررات واحدة، مع اختلافات بسيطة ترتبط باختلاف الأحوال والظروف.
إن اعدام الشهيد الصدر وما أفرزه من معطيات وترتب عليه من آثار، ساهمت بعد ثلاثة وعشرين عاما في الوصول الى لحظة طي صفحة نظام صدام، وحقيقة الادوار الاميركية-الغربية الماكرة في كل ذلك، تستوجب التأمل طويلا بكل ذلك، واستلهام واستنباط العبر والدروس الظاهرة والخفية منها، وهي عبر ودروس عميقة وبليغة وكبيرة.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha