خالد غانم الطائي ||
صراع دائم محتدم شديد الأدوار ولا ينفك أبدا ما دامت الروح في البدن فإذا ركب العقل هوى النفس وصار هو الحاكم والموجه له فأن هوى النفس سيرفع الراية البيضاء معلنا الاستسلام للعقل أما إذا رفع العقل الراية البيضاء لهوى النفس فتلك الفاجعة الكبرى،
قال تعالى (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهية) سورة القارعة الآيات من 6-11 فالعذاب يكون للعقل إذ أن الله تعالى قال في الحديث القدسي مخاطبا العقل بعد أن خلقه (أقبل فأقبل ثم قال له: أدبر فأدبر، قال الله تعالى فوعزتي وجلالي بك أثيب وبك أعاقب)...
وأيضا فقد ورد في دعاء الصباح عن أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) قوله (..فبئس المطية التي أمتطت نفسي من هواها فواها لها لما سولت لها ظنونها ومناها وتبا لها لجرأتها على سيدها ومولاها...) فمن ركب عقله هوى نفسه فهو من الناجين ومن ركب هوى نفسه عقله فهو من الخاسرين، فإذا ما حطم الإنسان الأصنام التي يعبدها وأتخذها ألهة من دون الله عز وجل وقد صنعت من الحجر أو الخشب وغيرهما فلا فائدة مرجوة أو معتد بها من ذلك إذا لم يكن هذا التحطيم مقترنا ومتلازما ومتزامنا لتحطيم الصنم الخفي الأعظم الذي يتربع في الأعماق وهو صنم الهوى الذي قال عنه أمير المؤمنين (عليه السلام) (إتباع الهوى يصد عن الحق...)..
وهذا الصد يوجب على الإنسان أن يدور في مدار النقيض للحق وهو الباطل الذي يقود إلى الخسران قال تعالى: (..وخسر هنالك المبطلون) سورة غافر الآية 78 فالضدان لا يجتمعان وسبب خروج الشيطان اللعين من دائرة رضا الله إلى دائرة سخطه ونقمته وغضبه وانتقامه بعد أن وصل (لعظيم عبوديته لله تعالى) إلى مصاف الملائكة حتى قد شمله الخطاب الإلهي بالسجود مع الملائكة سجودا تكريميا لا عبوديا لأبينا آدم (على نبينا وآله وعليه الصلاة والسلام) حيث جعل آدم قبلة،
قال تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) سورة الحجر الآية 29، وقوله عز من قال (..فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) سورة ص الآيتان 73 و 74...
ومن هنا وفي هذا المفصل من الزمن نشأ وولد الشر إذا لم يكن موجودا قبل ذلك فالشر عارض (أي حادث) والخير أزلي بأزلية الله سبحانه، قال تبارك أسمه (ولله الأسماء الحسنى فأدعوه بها) سورة الأعراف الآية 180، وكتقابل أجرائي فأن للشيطان الأسماء السوئية الذي أبتدع الشر إبتداعا من هوى نفسه وقد علل عصيانه لربه الأعلى بعدم السجود بقوله (..قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) سورة ص الآية 76، والنار تتصف بالعلو والارتفاع والطين يتصف بالهبوط والنزول إذ عكف إبليس الملعون على القياس المادي واعتمده في العصيان لرب الأرباب وغفل عن الكينونة المعنوية للإنسان (المتمثل بـ آدم) وهو خليفة الله في أرضه قال تبارك أسمه (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...) سورة البقرة الآية 30..
وسينتهي وينقضي ويتلاشى ويندثر الشر بأنقضاء مدة الامهال التي قد طلبها إبليس اللعين في جملة ما طلبه من الأجر والثواب على عبادته لله تعالى قبل وقوع عصيانه قال تعالى حكاية عنه (قال رب.. فأنظرني إلى يوم يبعثون) سورة ص الآية 79 ومآل الشيطان الرجيم ونهاية أمره بعد أن باء بغضب الله عز وجل إلى تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) سورة الإسراء الآية 71..
وإذا عمد الإنسان إلى تحطيم صنم الهوى في نفسه فأنه سيتجه صوب الحضيرة المقدسة الإلهية حيث الخير المطلق والنور العظيم ونيل الرضوان والكرامة والعزة والرفعة والفوز بالجنة، إذن المعركة جارية ودائمة ومستمرة ومتواصلة فهنيئا وطوبى لمن رفع هواه الراية البيضاء مذعنا ومستسلما ومنقادا لسلطان العقل حيث تشع في المرء أنوار البصيرة ويصبح منارا للخير والفضيلة ومسك الختام قوله تعالى (...فلا تتبعوا الهوى...) سورة النساء الآية 135 و (وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى) سورة النازعات الآيتان 40 و 41.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha