علي الخالدي ||
يتساءل الكثير كيف ان معاوية استطاع خداع المسلمين, وحولهم من محبين لعلي عليه السلام, الى معارضين له, وقاتلين لأولاده من بعده, مع ان الائمة كانوا يعيشون بين ظهرانيهم.
كانت نفس معاوية بن أبي سفيان تواقة الى الحكم و السلطان, والتربُّع على كرسي الخلافة و أخذ زمام أمور الأمة الاسلامية بيده, حتى يتمكن من الوصول الى أهدافه و ملذاته الدنيوية، ولكنه في نفس الوقت لم يكن ساذجاً بل كان معروفاً بالدهاء و السياسة ، فكان يعرف جيداً بأن وصوله الى مبتغاه يحتاج الى تخطيط دقيق وصبر كثير، و عليه أن يتجاوز الكثير من المراحل و الأزمات حتى تتوفر الأجواء المناسبة, والمؤدية الى قبول المسلمين بالأمر الواقع الذي كان يريده لهم.
كان معوية يعرف جيداً بأنه إن أراد الوصول الى هذه النتيجة فلا بد له أن يتستَّر بعباءة الدين و عليه أن يخفي نواياه و كذلك أعماله التي لا تنسجم مع الدين الاسلامي و تعاليمه و أحكامه ، فكان حريصاً على التظاهر بالالتزام الديني و الحرص على مصالح الأمة الاسلامية , ولم يخطئ معاوية في تقييمه للظروف, فكانت النتيجة أن جماعات كبيرة من المسلمين لم يتمكنوا من معرفته على حقيقته فلم يتمكنوا من تمييز الحق من الباطل خلال فترة خروجه على الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفين و بعدها في المواجهات التي دارت بينه و بين الامام الحسن بن علي ( عليه السلام ) فكان ما كان, إلا أن الامام الحسن ( عليه السلام ) لما رأى أن جيشه قد تأثَّر هو الآخر بالتضليلات الاعلامية التي كان مصدرها الجهاز السياسي و الاعلامي لمعاوية ـ طبعاً بعد أن أقام الحجة على المسلمين بمخالفته لمعاوية من خلال مواجهته العسكرية له ـ لم يجد بدا من قبول صلح معاوية ، ولكنه ( عليه السلام ) برع في تسجيل نصر كبير ـ لم يفطن له معاوية رغم دهائه و مكره ـ من خلال بنود مذكرة الصلح.
حيث أراد الامام الحسن ( عليه السلام ) أن يثبت للمسلمين في ذلك العصر بل للتاريخ زيف ما كان يدعيه معاوية ، و يبيِّن كذبه و تزويره للحقائق ، كما أراد إزاحة عباءة الدين عن معاوية ، تلك التي طالما تستر بها معاوية ، و بالفعل فقد استطاع الامام الحسن ( عليه السلام ) بعد فترة وجيزة من تعرية معاوية و كشفه كشفاً كاملاً أمام المسلمين . فهذا معاوية يُسقط القناع عن وجهه ليعترف و يقول بعد أيام من توقيعه على معاهدة الصلح : إني والله ما قاتلتكم لتصلوا و لا لتصوموا و لا لتحجوا و لا لتزكوا ، إنكم تعلمون ذلك ، و لكني قاتلتكم لأتأمَّر عليكم و قد أعطاني الله ذلك و أنتم له كارهون ، ألا و أني منيت الحسن و أعطيته أشياء و جميعها تحت قدمي ، و لا أفي بشيء منها له . و هكذا مكَّن الامام الحسن ( عليه السلام ) المسلمينَ من اكتشاف حقائق مهمة و الحصول على تجربة سياسية عظيمة مهدت لتجربة أخرى أكبر.
بعد تلك القراءة تجد ان هناك فرقاً كبيراً جداً بين المواجهتين ، أي مواجهة الامام الحسن ( عليه السلام ) لمعاوية ، و مواجهة الامام الحسين ( عليه السلام ) ليزيد بن معاوية ، حيث لمن تكن الأمور ملتبسة على الناس أيام حكومة يزيد كما كانت ملتبسة أيام حكومة معاوية .
المقال اعلاه مقدم لكم بعد ان نقل بتصرف عن بحث (صلح الامام الحسن عليه السلام) للعلامة المحقق السيد سامي البدري دام بقاءه
ــــــــ
https://telegram.me/buratha