كوثر العزاوي ||
من أصعب مامرّ به العراق من فترةٍ مظلمةٍ ضيقة الأفق، خانقة الأجواء، مشحونة الارجاء، تلك التي عاشها الشعب العراقي عند تسلّم صدام المجرم الحكم على العراق، نعم اقول"على" لانه بمجرد تولّيه الحكم عاث في الأرض فسادًا وجعل أهلها شيعًا واستضعف الشعب عامة وطائفة الشيعة خاصة، فقتَّلَ ابناءَهم واستَحْيى نساءهم ودمّرَ تراثهم وآثارهم وقمعَ حرّياتهم واستَبدَّ واضطهد وصادرَ واستباح وو..إلى مالا يتخيله عقل إلّا من عاصرَ ظلام حقبتهِ المقيتة، فكان بامتياز فرعون مرحلته من حيث طبيعة الإجرام والطغيان والعلوّ والاستكبار!!
وحينما تمر علينا ذكرى استشهاد المفكر والفيلسوف والمرجع الكبير اية الله العظمى الشهيد السيد محمد باقر الصدر وأخته العلوية الطاهرة بنت الهدى"قدس سرهما" تضجّ أذهاننا وتضطرب جوانحنا كونها أبرز الجنايات التي ارتكِبت لتبقى العلامة الفارقة كما التي في حياة كل الطواغيت، فكلما ذُكِر فرعون لمع نجم موسى وكلما ذُكر معاوية توهّج اسم عليّ وكلما ذُكر يزيد أضاء اسم الحسين، وكلما ذُكر صدام تجلّى كوكب محمد باقر الصدر في سماء التضحيات! وهكذا دواليك حتى يُدرك العاقل أنّ للخلود والعظمة مقدمات نفيسة، وللشهادة ثمن باهض لخاتمةِ ذوي الحظ العظيم،{وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} فصلت ٣٥
ونحن إذ نستذكر تلك الجريمة النكراء يوم أقدمَ النظام الصدامي المقبور بإعدام السيد الشهيد وأخته الفاضلة نتيجة لمواقفهما البطولية ضد سياساته الدموية وقمعه لشعبنا العراقي الذي سار مؤيدًا حركة السيد محمد باقر الصدر آنذاك وباع نفسه لله مخلصًا حتى ضجّت أرض العراق من شدة أنين مَن دُفنوا أحياءًا بين أطباق ثراها، لا لجُرمٍ إلّا
لأنهم رفضوا الظلم والتسلط بتسجيلهم مواقف بطولية خالدة في تأييد الحقّ، وقد تميّز الشهيد محمد باقر الصدر بنشر مبادئ العدل والسلام والتآخي والمحبة، وكان يدعو الى الوحدة، والتكاتف بين أبناء الوطن الواحد والمسلمين في جميع انحاء العالم ، كما يدعو الى الفضيلة والمبادئ الانسانية التي لاتميز بين إنسان وآخر إلا بالعمل والقرب من الله، فيما أيّدتهُ ثلة كبيرة من العلماء الأعلام والمثقفين الرساليين رجالًا ونساءًا من الشريحة الواعية في المجتمع آنذاك، ماجعل النظام الدكتاتوري مرعوبًا، فتصدى بالقوة والنار لسرعة انتشار الوعي الإسلامي والسياسي في الأوساط الحوزوية والشعبية في وقت وافق بزوغ فجر الإمام الخميني وانتصار ثورته، فثارت نعرتهُ الأموية الحاقدة، فشنّ حملة اعتقالات وحشية في كل العراق لتطال يَده الآثمة مقام السيد محمد باقر الصدر بشكل فجيع مع أخته العلوية الطاهرة "بنت الهدى" بعد أن أمضى"رضوان الله عليه"عشرة أشهر في الإقامة الجبرية، ثم تمّ إعتقاله في يوم: ١٩جمادى الأولى١٤٠٠هجري الموافق ٥-٤- ١٩٨٠ ميلادي، وبعد ثلاثة أيام من الإعتقال والتعذيب الهمجي، تم إعدامه مع أخته العلوية الطاهرة بنت الهدى وكان عمره الشريف ٤٧ سنة، وفي مساء يوم ٩-٤-١٩٨٠ وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساء قَطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف المقدسة فصار الليل أشدّ ظلامًا ليتمّ دفن الجسد الطاهر مضرّجًا بدم الشهادة وعلامات التعذيب واضحة عليه في مقبرة وادي السلام، وهكذا تسنّم ابا جعفر وسام الشهادة بعد عمرٍ من الجهاد والمجاهدة، إذ طالما كان يدعو أن يرزقه الله الشهادة بقوله:
{اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن ترزقني الشهادة وأنت راضٍ عنّي، اللهمّ أنت تعلم أنّي ما فعلت ذلك طلباً للدنيا، وإنّما أردتُ به رضاك، وخدمة دينك، اللهم ألحقني بالنبيّين والأئمة والصدّيقين والشهداء، وأرحني من عناء الدنيا}
لاشك إنها نهاية العظماء وهو ذات المآل لآل محمد"عليهم السلام" واتباعهم! ومن طريف الحكمة والإرادة، أن يتوافَق يوم استشهاده هو يوم سقوط جلّاده ، والذي طالما شكّل السيد الصدر كابوسًا أقضّ مضاجع النظام الديكتاتوري حتى سقوطه، ليبقى السيد الشهيد منارة على ربى عراق المقدسات، فيما انتهى الطاغية من حفرة الجرذان إلى حفرة النيران الذي أعدها الله للمجرمين وشتان بين النهايتين!!
{وَلَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ}البقرة ١٥٤
١٥-رمضان١٤٤٤هج
٦-نيسان٢٠٢٣م
ـــــــ
https://telegram.me/buratha