رياض البغدادي ||
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
"وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴿4﴾ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" ﴿5﴾ سورة النور
قيل إن الآية لايوجد فيها ما يدل على أن الرمي مخصوص بالزنا فيمكن أن يكون الرمي بالكفر أو السرقة أو غيرها ،فلابد من قرينة دالة على التعيين، وهنا نورد أربع قرائن تدل على أن الرمي هو للزنا:
الأول تقدم ذكر الزنا في الآية التي سبقتها.
الثاني ذكر المحصنات ،فدلَّ أن الرمي مما يضر إحصانهن وعفتهن.
الثالث قوله تعالى ﴿لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ وهذا العدد من الشهود غير مشروط إلا في الزنا.
الرابع انعقد الإجماع على ان الجلد على الرمي لا يجب بغير الرمي بالزنا.
اذا عرفنا ذلك لابد الآن من الكلام في الرمي والرامي والمرمي:
البحث الأول في الرمي وفيه مسائل:
الاول. ألفاظ القذف تنقسم الى صريح وكناية وتعريض، فالصريح أن يقول (يازانية) وما شابه، وهذا قذف صريح أوجب الفقهاء فيه الحد، وأما الكناية مثل أن يقول (يا فاسقة) أو( يا فاجرة )وهذا لايكون قذفاً إلا إذا كان قاصداً، والقول قوله مع يمينه، وأما التعريض، مثل أن يقول لصاحبه ﴿يا ابن الحلال أما أنا فلست ابن زانية﴾ وما شابه وهذا لا يُعَدُّ قذفاً.
المسألة الثانية. اذا تعدد القذف على امرأة واحدة، قال الفقهاء، يعد قذفًا واحدًا يوجب حدًّاواحدًا، وقيل يجب فيه تكرار الحد.
المسألة الثالثة. القذف ينقسم الى محظور ومباح وواجب، قيل لا يجب إن لم يكن ثَمَّ ولد يريد نفيه، ويباح فيما لو أراد دفع تهمة الدياثة عن نفسه، إذا شاع بين الناس أنه يراها تزني وسكت، فيباح عندئذ قذفها.
البحث الثاني في الرامي وفيه مسائل:
المسألة الاولى. لا يحد القاذف دون البلوع ولا المجنون.
المسألة الثانية. الأخرس إنْ قذف بأشارة مفهومة للناس يقام عليه الحد.
المسألة الثالثة. يُحَدُّ العبدُ أربعين جلدة وهو مروي عن علي بن أبي طالب (ع).
المسألة الرابعة. الكافر يُحَدُّ بالقذف ولا دليل في الآية يخرجه من الحكم.
البحث الثالث في المرمي
الإحصان هو المنع، فالمتزوجة منعت فرجها عن غير زوجها، وكذلك العفيفة وان لم تتزوج، وفي الكلام مسائل:
المسألة الأولى. قيل إن شرائط الإحصان خمسة، الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة.
المسألة الثانية. اُختُلِفَ في أن الاحصان يشمل الرجال والنساء؟ الا أن القول الأقرب شمول الرجال.
المسألة الثالثة. رمي غير المحصنات فيه تعزير، وأما إذا كان المقذوف معروفًا بما قُذف فيه، فلا حَدَّ ولا تعزير.
قوله تعالى ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ حكم الله تعالى على القاذف أولاً ان يُحَدَّ بثمانين جلدة، وثانياً الحكم بفسقه الى أن يتوب، وثالثاً لا تقبل شهادته.
وفي كيفية الشهادة يوجد إجماع بين الفقهاء أن الشهادة على الزنا لابد من ان تكون برؤية (آلة الرجل) وهو يدخل في الفرج، وبغير ذلك لايحكم بالزنا، بل بالتفخيذ،كما لا يحكم بالزنا بشهادة ثلاثة، وتعتبر العدالة في الشهود.
قوله تعالى ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ وهذا يدل على أمرين: الأول أن القذف من جملة الكبائر، وثانياً أنه اسمٌ لمن يستحق العقاب، لأنه لو كان مشتقاً من فعله لكانت التوبة لا تمنع من دوامه، كما لا تمنع من وصفه بأنه رامٍ، وبأنه قاذف.
قوله تعالى ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ اختلفوا في التوبة من القذف كيف تكون، قيل بأن يكذب نفسه وأن كان صادقاً، وهذا فيه إشكال لأنه لو كان صادقاً بقذفه سيكذب في إكذاب نفسه، وإتيان معصية لا يكون توبة من معصية، وقيل التوبة من القذف هو ان يظهر ندمه.
قوله تعالى ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ قيل بعد التوبة أن يظهر الصلاح وحسن الإيمان.
قوله تعالى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ المعنى أنه لكونه غفوراً رحيماً قبل التوبة، وهذا يدل على ان قبول التوبة ليس بواجب، لأنه اذا كان واجباً، فهو إنما يقبله خوفاً، لعلمه بأنه لو لم يقبل التوبة لصار سفيهًا تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وأما إذا كان ليس بواجب قبول التوبة، فهناك تتحقق الرحمة والاحسان.
عن الإمام الرضا (عليه السلام): حرم الله قذف المحصنات، لما فيه من إفساد الأنساب ونفي الولد وإبطال المواريث وترك التربية وذهاب المعارف، وما فيه من المساوئ والعلل التي تؤدي إلى فساد الخلق " وروي عن الإمام علي (عليه السلام) قال: من الكبائر: الشرك بالله... ورمي المحصنات الغافلات المؤمنات.
https://telegram.me/buratha