كوثر العزاوي ||
يُعَدُّ الدعاء ذريعة للحديث مع ربّ العالمين والأنس به لِمَن تذوُقَ حلاوة الوصل والعلاقة مع الله، وهو يفتح باب اللقاء معه "عزوجل"
ولكلّ إنسان أُمنياتٍ وحاجات يطلبها من الله بحرارة والْتماس، ولا بأس في أن يتمنى العبدُ ماشاء على الله وهو مَن قال لنبيّهِ موسى"عليه السلام" في حديثٍ قُدسيٍّ:
{يا موسى، سَلْني كلما تحتاج إليه، حتى عَلَف شاتِك ومُلحُ عجينك}!
ومن تمام العبادة أن يلتجأ المؤمن إلى الله بالدعاء، يسأله "عزوجل" القليل والكثير، ولكن.."لن يصل الإنسان إلى تمام العبودية حتى يؤمن أن اختيار اللهِ لهُ خيرٌ من اختياره لنفسه"! يالها من ضابطة في أصل العلاقة المقدّسة! ما يجعلنا في حالة استشعارٍ دائم لمعيّة الباري"عزوجل" بمعنى أن نلجأ إليه "سبحانه" مسلّمينَ لاختياره، وأن يهبنا من فيض جوده ما يحيي في نفوسنا الأمل والرجاء، لأن الدعاء يُفقد روحَهُ وأثرهُ عندما يغفل الانسان حالة التوجّه الى روح الدعاء أو يفقد سِمة الإقبال على الملكِ الرؤوف، ولكن من الممكن تَدارُك حالة الإدبار هذه بالتوسّل الى الله والألحاح عليه بأن يرزقه الإقبال واليقظة في الدعاء وخاصة عند حصول الرقة والخشية، فقد تكون هذه اللحظات هي أفضل حالة ينظر الله عزوجل فيها بالرحمة الى عباده، فمِن حسن التوفيق أن يدرك العبد حقيقة الدعاء وفضله وآثاره، ومَن أدركَ ذلك فقد أدركَ حقيقة العبادة لأن الدعاء مخ العبادة كما جاء في المأثور وهو حبلُ المودة والقرب بين العبد وربّه.
والجدير بالذكر: ماذا لو لم تتحقق الإجابة للعبد أو لم يصل إلى مراده وأمنيّته!! فهل يفقد الثقة بربّهِ ويتمرّد على أمره والعياذ بالله أمْ أنه سيصبر ويسلّم بمقدار درجة الحب واليقين عندما توجّه وسأل الله أمنياته وهو واثقٌ بأنّه الأعلم بما يصلحه فيُسلِمْ حطامَ نفسِه لربّهِ قائلًا له: "ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدلٌ فيَّ قضاؤكَ ولاحول ولاقوة الا بكَ يارباه!! ليكتَشِفَ بعد أن تدور الأيام مدى حمايةَ الله وحرصهِ البالغ عليه وعلى عبادهِ المتوكلّين.
فكم تتعثر الخُطى ويضطرب المسير لنكتشف بعدها أنّ في تلك العثرة استقامتنا! وكم خسرنا غاليًا على صعيد الأرواح ووسائل الراحة في الحياة حتى أُرهِقنا، فأدركنا أنّ العطاء يسبقهُ الحرمان! وكمْ وكمْ من الأعسار والإخفاق والضراء والإملاق مالا تبتعد عناية الله عنّا حتى نرى عما قريب فضله ولطفه متجلّيًا في حياتنا! هكذا هي رحمة الله طالما تأتي مغلّفةً بالوجع، فإذا ما انكشفَ لنا الحجاب، عرفنا أن ربّنا منبع الخير لا يأتي إلا بخير ليغمرنا باللطف والصلاح فتستكين نفوسنا وتطمئن أرواحنا،
{فَكَمْ مِنْ مَوْهِبَةٍ هَنيئَةٍ قَدْ أَعْطاني، وَعَظيمَةٍ مَخُوفَةٍ قَدْ كَفاني، وَبَهْجَةٍ مُونِقَةٍ قَدْ أَراني، فَأُثْني عَلَيْهِ حامِداً، وَأَذْكُرُهُ مُسَبِّحاً} من دعاء الافتتاح.
٢٠-شعبان١٤٤٤هج
١٣ -آذار ٢٠٢٣م
ـــــــــــــ
https://telegram.me/buratha