إيمان عبد الرحمن الدشتي ||
عندما تكون النوايا خالصة لله تعالى، ومفتاحها الحسين العظيم بأبي وأمي؛ فستكون مخرجاتها مهدوية رسالية مثمرة.
خرجتْ من بيتها برفقة إبنتها وبدواخلهما شعور لا يوصف، فما لم ينالاه طيلة حياتهما لأسباب خاصة صار في متناول اليد؛ إذ ستتحقق لهما خدمة زوار سيد الشهداء عليه السلام، وذلك بتلقيهما دعوة لتقديم خدمة التثقيف المهدوي لزواره الكرام ثم بإمكانهما السير مع الزائرين نحو قبلة الأحرار وبوصلة النجاة، كربلاء الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام.
توجهتا إلى النجف الأشرف بغية الوصول الى مكان تواجد السيارات الناقلة الى كربلاء؛ فالموكب الذي ستخدمان فيه واقع في ذلك الطريق، وقد علمت بمقدار الأجرة من أخت مهدوية سبقتها الوصول الى الموكب، عندما نزلتا لم تجدا أي سيارة فأسرعت للإستعانة برجل المرور المتواجد في ذلك المكان، وكان حوله زوار إيرانيون يتقدمهم شيخ معمم والحيرة بادية على محياهم بعد أن اتفق معهم رجل المرور هذا "مكرهين" على مقدار الأجرة! فأخبرها أن سيارة قادمة ستقل هؤلاء الزوار الإيرانيين وبإمكانهما الصعود معهم، وبأجرة نقل هي أكثر من ضعف ما أخبروها بها، وأكَّد أنها لن تتمكن بسبب الزحام من الحصول على سيارة بمقدار ما اخبروها حينما إستشكلت عليه رفع سعر الأجرة!
صعدوا السيارة، وشعورها وإبنتها واحد، غير مستقر ولا راضٍ عن الموقف الذي أظهر إستغلال رجل المرور والسائق ومساعده لإخوة العقيدة (الزوار الإيرانيين) ومطابقة الموقف لبعض مقاطع الفيديوهات في وسائل التواصل المسيئة للزوار الإيرانيين، بل ربما شعرتا بتأنيب الضمير كون الموقف حصل أمامهما، فبادرتا لبذر كلمات الإصلاح وبإسلوب مهذب من خلال الدفاع عن زوار سيد الشهداء (ضيوف إمامنا المهدي والمعزين له عجل الله فرجه) ولكن بحذر شديد! فإن كانت ردود السائق ومساعده تهجمية وإستفزازية؛ فالسكوت سيكون سيد الموقف وعليهما تفويض الأمر لصاحب الأمر سلام الله عليه، وإن لانا وشعرا بقبح الموقف الإستغلالي (والذي أساء لآل النبي صلى الله عليه وآله قبل إساءته للزوار) فبها ونعمت.
إبتدأت النقاش: لماذا هذا التهويل في الاجرة؟ هل لإعتبارهم غرباء؟! أليسوا ضيوف الإمام الحسين عليه السلام وضيوف العراقيين؟! وهل من الإنصاف ان نعامل الضيف بهذه الطريقة؟! بدءاً حاولا الإحجام عن الجواب، ثم أردف أحدهم قائلا: (هل مطالبتكِ هي من أجلكِ أم من أجلهم؟ إن كانت من أجلك؛ فبإمكانك أن تدفعي ما تشائين! فردت: بل من أجلهم، رد عليها أحدهم (هل ذهبتِ إلى إيران؟ ألَمْ تَرَي كيف يتعاملون هم مع الزوار العراقيين؟!) فردت البنت (وهل تجزمون أن من تعاملوا بسوء من الإيرانيين هم هؤلاء أنفسهم؟! كل الشعوب فيها الغث وفيها السمين، وفيها الصالح والطالح، وليس من الإنصاف أن يعامل أحد بجريرة غيره)
الشيخ الذي كان بإلكاد يستطيع التكلم باللغة العربية ويصعب عليه كذلك فهمها، لاحظ تعنت السائق ومساعده، فقال لهما (أنتم العراقيون تستغلون الإيرانيين!) فخشيتْ المرأة غلظة كلماته هذه من أن تثير إزدراء السائق ومساعده وتزيدهما تعنت؛ فقد كان لهذه الكلمات وقع مؤلم على قلبها؛ إذ أظهرت كيف أن المواقف السلبية تكاد تطغى على المواقف الإيجابية وتحول نظرة العالم نحو كرم العراقيين الذي لا يفوقه فائق الى نظرة عتاب وملامة!
عندما لم تجدا بُداً من إقناعهما، قالت البنت لأمها (أن بإمكاننا من باب الإحسان لزوار سيد الشهداء عليه السلام أن نساهم في دفع أجرة هؤلاء الزوار، فيدفعون هم الأجرة المتعارفة والزيادة عليها نحن ندفعها) وبلا تردد وافقت الأم وأوصلت الفكرة قدر الإمكان للشيخ، وتم دفع ما أتُفق عليه، فمن المعيب أن نرتجي فرج إمامنا صاحب العزاء عجل الله فرجه ونشاركه المصاب؛ ثم نضايق ضيوفه ولا يهمنا حزنه لذلك.
أخذت كلمات النصح تثمر شيئاً فشيئاً؛ وبدت علامات الذهول والحيرة تعلو وتطفو على همس أحدهما للآخر، وأقسما أنهما لم يكونا طرفا بأي إتفاق مع رجل المرور كما بدى في بادئ الأمر، وأن ما حصل هو اجتهاد شخصي منه، وبعد أخذ ورد وتساؤل وجواب، تحول النقاش الى جلسة مهدوية وحوار ديني، وطرحت كثير من الحقائق المبعدة عن فهم الناس الغافلين وإدراكهم، وراحت المرأة تبين جملة من علامات الظهور الشريف وضرورة صقل النفس وتعبئتها بالثقافة المهدوية، لنصرة إمامنا الغائب عجل الله فرجه وتهيئة القاعدة الجماهيرية لنصرته، وإبعاد كل ما من شأنه تعكير صفو الزيارة الأربعينية المليونية التي مثلت قمة الكرم والتسامح ومد يد العون والإيثار والخُلُق الرفيع وكل معاني الفضائل.
أخذ الشيخ كذلك وبلكنته يقرأ عدة أحاديث عن أهل البيت عليهم السلام تدعو إلى وحدة المؤمنين ورص الصفوف وتمتدح أهل العراق، فساهم الحوار في تصحيح المسار، وأوضح الحقائق وجلى الدرن عن البصيرة ورفع الأقفال عن القلوب، حتى اذا ما وصل الزوار الإيرانيون الى الموكب الذي كانوا قاصدينه وأرادوا النزول، عبَّر السائق
ورفيقه عن إعتذارهما للشيخ وأنهما كانا يحملان أفكارا مغلوطة عنهم، وأخذ الشيخ يمتدح العراقيين ويشكر السائق ورفيقه، وخص هو ومن معه من الزائرات المرأة وإبنتها بكلمات دلت بتعابير محياهم عن الرضا والشكر والثناء.
بعد مسافة قصيرة وصلتا للموكب وطلبت من السائق التوقف للنزول، فاستودعهما الله هو ومساعده وسألاهما الدعاء وإبراء الذمة عن الأجرة التي أخذوها! مع وافر الشكر والتقدير والإمتنان، فهمست البنت لأمها من باب الملاطفة (وَلِمَ ننزل؟ لنعود إلى بيتنا! قد أتممنا المهمة التي جئنا لأجلها) فقد نما الحب في قلبيهما لأبي الأحرار عليه السلام، وخدمتا زواره الكرام، وربما نالتا أجر الزيارة من هذا الموقف، وبلغتا غايتهما في تثقيف المجتمع بالثقافة المهدوية ليفعّلوا إنتظارهم، فلعل هذين الشخصين - السائق ومساعده- يكونان سبباً في إصلاح غيرهما ومن ثم إصلاح أمة، فتقوى أواصر الأخوّة بين أبناء العقيدة وتندحر مؤامرات الأعداء الرامية الى تفريقهم.
ــــــــــ
https://telegram.me/buratha