كوثر العزاوي ||
إنّ لِذكرى ميلاد الرسول الأعظم ويوم مبعثه" صلى الله عليه وآله" أثرٌ عميقٌ في نفوسنا نحن أتباع آل محمد، لأننا نؤمن ونعتقد أنّ هذا اليوم يشكّل نقطة انتقال في تاريخ الأمة الإسلامية والإنسانيّة، وهو يوم انبثاق الرسالة الكبرى التي تَحيى عليها الأمة وتموت، وهو يومُ نشأة تأريخٍ أزهرَ مشرقًا بنور وحي السماء حاملًا للبشرية دستورًا شاملًا كاملًا هاديًا ينظّم حياة الإنسان بجميع أبعادها في مجتمع إنسانيٍّ يُقيم على أساس الحق والحرية والعدل والعزة والكرامة، بعيدًا عن التخبّط في ظلمات الجاهلية المقيتة وعشوائية الحياة وضلالها، كما صرّح القرآن في قولهِ"عزوجل" :
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} الجمعة ٢
وكما روي عن أمير المؤمنين عليّ "عليه السلام" قوله:
{فَبَعَثَ اللّهُ مُحَمَّدًا صلی الله علیه وآله بِالحَقِّ؛ لِيُخرِجَ عِبادَهُ مِن عِبادَةِ الأوثانِ إلى عِبادَتِهِ.}
وأكدت ذلك الصديقة الكبرى فاطمة "صلوات الله عليها" في بعض خطبتها الفدكيّة قائلة:
{فأنارَ اللّهُ بأبي محمّد ظُلَمَها وكَشفَ عن القلوبِ بُهَمَها وجلّى عن الأبصارِ غُمَمَها وقام في النّاس بالهداية فأنقذهم من الغوايةِ وبصّرهم منَ العماية وهداهم إلى الدّين القويمِ ودَعاهم إلى الطريق المستقيمِ}
نعم!! إنه نبيُّنا العظيم! الرحمة المهداة للبشرية جمعاء وقد أُرسِل رحمة للعالمين وليس لفئة ولا لعشيرة ولا لجماعة، بل جاء للعالمين نذيرًا فكان أمانًا لأهل الأرض من العذاب ونزول البلاء، ورغم ذلك ترى فريقًا كذّب وأدبرَ، حتى شكّل نزول الوحي وبعثة النبي عندهم أمرًا مشكِلًا، ليس مشكلة قبَليّة اجتماعية وحسب، إنما مشكلة فكريّة وعقائدية صعبة الفهم، عسيرة الاستيعاب عظيمة الاحتواء لأنها جاءت بمثابة الصعقة التي أذهلت عقول وجهاءهم وكبرائهم، رغم أنها جاءت لترتقي بهم وتخرجهم من ظلام الجهل إلى نور الهدى، ولكن أبت عصبيّتهم المقيتة وجبروتهم الّا الاصرار على الضلال والشرك ، فاعلنوا التحدّي والتعنّت، فرفعوا شعار الطائفية والانقسام، فضلًا عن التكذيب والافتراء واختلاق التُّهَم
كما جاء في قوله "عزوجل":
{وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ*}ص ٤-٥
أما بالنسبة للمؤمنين بالرسالة والمصدّقين لها، فلا يعجبون لظاهرة الوحي والتنزيل لأنهم يعتقدون بقرارة أنفسهم بالعناية الربانية وتتابع الألطاف الإلهية بلابُدّيَّةِ إنقاذ الإنسان وخلاصه من براثن الجهل والضلال والانحراف، ولانّ الاعتقاد بأنّ الله تعالى لم يخلق الإنسان عبثًا ولم يتركه هملًا، بل جعل له الوحي وأنزل معه الكتاب تبيانًا لكل شيء ليستكشف نفسه وإنسانيته، وليعرف ربّهُ وخالقهُ وعالَمهُ وماوراء ذلك ايضا، والأهمّ معرفة الموصِلُ له إلى الهداية والكمال في الدنيا والآخرة، وليَفقَه كيفية تعامله مع الناس في بيئته ومجتمعه وحتى ممن يختلف معهم!، ومن هنا كانت البعثة بشارةَ خيرٍ ونزول رحمات وألطاف، كيف لا وأنّ قائد هذه الرسالة هو صاحب القلب الرؤوف الحنون الذي بكى على قومه لضلالهم وعتوِّهِم، وكان مهما أوذيَ ومهما أتُّهِم بالسحر والجنون يبقى يردد: "اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون"!!
أما نحن ياحبيب الله وفي يوم بعثتك المباركة نقول لك: يا رسول الله، إنّنا آمنّا بك ولم نرك ولم نشهدَك بعيوننا، ولكننا اتبعناك اتباع العقل والقلب والهوى والروح واتباع الرسالة، عشقناك ولم نراك، آمنا بك وصَدَقناك ولم نكن في زمانك، وحسبنا الاتباع تعبّدًا وإيمانًا والوقوف عند مرفأ الثقلين "كتاب الله وعترتك المطهرة"موحّدين مؤمنين، ولن نزول عنهما ولن نحول حتى يأتي أمر الله قائِمَكم الذي ننتظر، بقية الله في الأرض"أرواحنا فداه".
٢٧-رجب الأصب١٤٤٤هج
١٩-شباط٢٠٢٣م
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha