زيد نجم الدين ||
اختلفت الآراء حول موضوع مساءلة صانعي المحتوى الهابط، ومعظمها انصبت في النقاط التالية:
النقطة الأولى هنالك جدل حول مدى سلامة الإجراءات القانونية.
النقطة الثانية يعتقد البعض أن ثمة انتقائية في اختيار الأشخاص الذين يؤدون محتوى هابطا، فهنالك حاجة لتعريف المحتوى الهابط.
النقطة الثالثة هنالك من يعتقد أن الإجراءات ينبغي أن تتسع لتشمل برامج تلفزيونية ممولة من فضائيات أيضاً.
النقطة الرابعة هنالك من يعتقد أن هذه الإجراءات يجب أن تخضع لرقابة مشددة حتى لا تستخدم لاحقا في قمع حرية التعبير.
النقطة الخامسة هنالك من يرى أن العلاج الحقيقي لهذه الأعمال هو رفع مستوى التعليم والثقافة في البلاد.
من جهتي اعتبر الديمقراطية في العراق ما زالت حديثة وتفتقر للقوانين الساندة التي تفصل في القضايا الاجتماعية والحقوق العامة، بصورة عامة الديمقراطية حتى تكون واقعية لا بد لها من أن تصمم لتناسب مجتمعها الذي ستقدم خدماتها فيه، على سبيل المثال؛ ليس من العملي أن يؤتى للعراق بنموذج ديمقراطي غربي ذي أبعاد قيمية (مختلفة مع ما لدينا) لترسم لاحقاً حدود الحريات الشخصية بما لا ينسجم مع ثقافة وأخلاقيات المجتمع العراقي، لذلك اكرر دائما الديمقراطية لابد لها ان تصنع محلياً.
ولكون أن صناعة وتطوير الديمقراطية في العراق ليس من أولويات النخبة السياسية وذلك لكونها (معظمها) تمارس الديمقراطية كواقع حال بلا اعتناق وإيمان مسبق، وحتى تلك الأحزاب التي تبدي اهتماما وتمسكا بالديمقراطية تجدها تفتقر للخبرة والنضوج الديمقراطي لغياب الميدان الذي يسمح بصقل المهارات ويعزز الخبرات بالتجربة. وبالنتيجة فإن هذه النخبة السياسية لا تؤدي أدوار تثقيفية من شأنها تحفيز المجتمع للوصول إلى حالة من النضوج الديمقراطي وبنفس الوقت هي غير قادرة (أو راغبة) في تعزيز ديمقراطية الدولة من خلال صيانة القوانين وتحضيرها لحسم القضايا (المتعلقة بالشأن الديمقراطي و الحريات) و التي قد تواجهها الدولة في مناسبة او اخرى.
مع ذلك من غير الدقيق القول بأن الديمقراطية في العراق لا تتطور والزمن فيها متوقف عند عام ٢٠٠٣، بل هي تتطور وأخلاقياتها تنتشر في المجتمع العراقي لكن برتم بطيء فالعوامل التي تأخذ بيدها نحو النضوج شحيحة والسبيل الوحيد لإحراز تقدم على مستوى إنضاج الديمقراطية في العراق هو المواجهة المباشرة للمشكلات المتفاقمة بسبب الإهمال والتي تتحول بفعل الإهمال المتكرر إلى قضية رأي عام شعبي، المواجهة المباشرة التي تفتعلها الحكومة بإجراءاتها تمثل نقطة الشروع في تحفيز الأجهزة التشريعية والرقابية والأوساط النخبوية نحو بلورة صيغة معينة تناسب العراق في معالجة هذه الظاهرة أو تلك المشكلة، مؤسسات الدولة العراقية لوحدها لا تملك القدرة على المبادرة في معالجة مشكلة ما قبل أن تتفاقم وتتحول إلى قضية رأي عام، الدولة العراقية تحتاج دائما إلى محفز يحفزها ويحثها على فعل شيء.
وعليه أرى أن مسألة متابعة المحتوى الهابط وما يتعلق به من إشكالات كتبيان المعايير الفاصلة بين حرية التعبير والمحتوى المسيء للذوق العام، وما مدى انسجام إجراءات الدولة مع المبادئ الديمقراطية للدستور، كل هذه التساؤلات ستبقى غير محسومة ما لم تحفز الأجهزة التشريعية والرقابية بإجراءات تجرها لحسم تلك النقاط والإشكالات التشريعية والتنفيذية التي تعيق معالجة هذه الظواهر.
ما يهمني في موضوع محاسبة مقدمي المحتوى الهابط أنه ثمة إجراء (محفز) اتخذ، هذا الإجراء (حفز) أشعل الأوساط النخبوية نقاشاً حول القضية وأبعادها القانونية والاجتماعية والتربوية.
النخبة السياسية منشغلة وغير مهتمة في تطوير الديمقراطية في العراق وتعزيزها بالقوانين. لذلك إنضاج ديمقراطيتنا دائما يحتاج لمحفز يثير المشكلات بوجه الدولة في سبيل حلها وتجاوزها بطرق ديمقراطية.
ــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha