كوثر العزاوي ||
ثمّة منعطفات في حياة الإنسان تكون قاسيةجدا، غير أنها بمثابة ناقوس إنذار أو كما الصعقة التي تعيد الذاكرة الى صاحبها بعد صدمة ما، فإذا به يستيقظ منتبهًا فلا يملك إلّا أن يَخرَّ ساجدًا شكرًا لمن حفظ له جوهرة العقل وزينة التوازن ليدرك بعمقِ يقينهِ أنّ كل منعطفاته ومنزلقاته وغفلاته ماهي سوى عملية إعداد بعد اختبار وامتحان صعب جدًا ليجِدَ نفسه مجنَّدًا متسلّحًا بأقوى أدوات التسلّح في مواجهة الأعاصير المختلفة، وبعد ذلك يبدأ عملية مراقبة شديدة يعيد فيها الأمل لنفسه ويصنع الأنس في وحدته في ظل نظر الخالق الرحيم الذي يستهدف عمق سريرة عبده فلا ينظر إلى ثرثراته وشطحاته، بل طالما ينتشله من كثير السقطات سيما مَن جعله تحت مجهر الاختبار خلال مسيرة عمره! وهذا هو شأن الله "عزوجل" ومحض لطفه المخزون في علمه، المكنون في غيبة! ولكن للأسف، فما أيسر أن نلقي القبض على أنفسنا ونبدأ عملية الجلد إذا وجدناها متلبسة بجريمة الغفلة وأخذناها بجريرة الاندفاع نحو الآخرين الذين أخلفوا وعدهم ومَن أسقطوا فينا الهمّة وثبّطوا العزيمة حدّ الأقصاء وهم ماضون غير آبهين!! غير أن الباري "عزوجل" يمدّ يد العون برأفته ليعيدنا إلى عالم العطاء والأنس في وحدة هي في الواقع تعني الكثرة والسكينة لتكون المنطلق في كل مرة، ولكي تعيش لابد أن تفهم معنى أن تكون قويًا، والقوة هنا ليست قوة الجسد ولاإثبات الوجود بالمال والرهط والأهل والولد، ولاكثرة الناس من حولك، بل قوة التحمّل لكُل أمرٍ يعصف بك ليقعدك، وقوة التخلّي عمّن لايعرف قيمتك وقوة الإكتفاء بالذات المتصلة بذاتِ واهبها ومدبّرها، وقوة الصبر على الوحدة وطوفان المصائب، و قوة الإيمان بالله وتعزيز الثقة به "جلّ وعلا" فهي أعظم قوة كامنة يمتلكها الشخص قِبال أمواج البحر المتلاطم بالفتن والشبهات! فكلما كان إيمانك بالله قويًا ويقينك زاخرًا كلما كنت أكثر استقرارًا وحياتك أوضح مسلَكًا، فالقوة كما تبدو، هي أن تملك الخيار دائمًا عندما تواجهك انتكاسةٌ ما، فإما أن تتأثر فيها وتبقى عالقًا في مكانك أو تستطيع الإستفادة منها كحافز للعمل بجدٍ أكبر، لأنّ المسألة مسألة إنسان غزير المشاعر، والعواطف الانسانية هي مَن تتحكم بالشخص في أثناء الإنتكاسات المبرِحة، إذ تمنع الباحثين عن الارتقاء الطامحين للعطاء من المضي قدمًا نحو أهدافهم السامية وغاياتهم النبيلة والتي تترك على النفس بصماتها وتلقي بظلالها على وجدان الحُرّ الشريف! ومن هنا لابد أن يصنع الإنسان المؤمن بنفسه لنفسه مركبه الذي يأخذه إلى ضفة الأمل، فلا يعوّل على سندٍ إلّا الله القدير ولايثق إلّا برحمته، وعندئذ تتّضح الأمور ليعرفَ من خذلته الأقدار ومضى وحيدا، بأن اليقين يولّد البصيرة ولاتضرّ به الوحدة وبها يتم تجاوز العثرات والأيام الصعبة، وأنّ مابقي من الطريق سيُمهّده الله، وأن الصعب سيهون عندما يكون الهدف واضحًا والمبتغى جليًّا والروح تمضي بهدوء بذلك اليقين آمنة، وهكذا مادمنا نؤمن أنّ الأحداث الصغيرة والكبيرة تجري على مسمع من أذُنِ الله الواعية، ومرأى من عين الله الناظرة، فيصبحُ لزامًا على المؤمن في كل حين أن يلتصق ويتعلق بالكُمّل من الأولياء لابغيرهم لأنهم ولاة الأمر دائمًا وهم المعنيّون بمقدرات هذه الأمة قبل غيرهم، مصداقًا للدعاء: "اللهم اكشف هذه الغمة عن هذه الأمة بحضوره وعجل لنا ظهوره" بعد غيبة الصبر ووجع الانتظار حضورًا مباركًا رافعًا للغمة التي حاقت بالأمة حتى استحكمت حلقاتها وبصاحب الأمر المقدس ستُفرَج حتمًا ويحلّ الأمن ويسود العدل بالإنسان الأكمل!.
٩-رجب الأصب١٤٤٤هج
٣١-١-٢٠٢٣م
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha