محمد شريف أبو ميسم ||
عادة ما يوظف الكاريكاتير الشهير بمسمى "هرم النظام الرأسمالي" الذي نشر مطلع القرن العشرين، في التهكم على الفوارق الطبقية واللامساواة في توزيع الفرص والثروة ، حيث تظهر الأغلبية الفقيرة من العمال في أسفل الهرم وهي تحمل الطبقة البرجوازية على أكتافها ثم تليها علوا طبقة العسكر ورجال الدين ثم المال الذي يعلو الطبقة الحاكمة.
وما زالت صورة الأغلبية الفقيرة وهي تحمل الطبقة البرجوازية (مجتزئة دون بقية الكاريكاتير) متداولة على صفحات الشباب العراقي في مواقع التواصل الاجتماعي، والبرجوازية طبقة اجتماعية تمتلك رأس المال ووسائل الانتاج ، وتقابلها الغالبية من الطبقة العاملة التي تبيع جهدها مقابل الحصول على قوتها. وفي ظل غياب الانتاج وترهل سوق العمل بالعاطلين في بلادنا وهي ما زالت تعيش مرحلة التكيف نحو التشكيلة الرأسمالية، لا تبدو الطبقة البرجوازية واضحة بعد، فيما تظهر صورة ما يسمى بـ"الكومبرادورية" بوضوح ، بوصفها تعبير شامل لطبقة طفيلية انتهازية ظهرت ملامحها مع انهيار الدولة الشمولية.
ففي ظل التأسيس لنظام ليبرالية السوق في دولتنا الريعية، أفرزت مرحلة الانتقال بشكل الدولة الشمولية الى الدولة التعددية نموذج طبقيا يسمى الكومبرادورية: وهي طبقة الانتهازيين والمتطفلين على فعاليات الدولة وهي في طور التكيف، اذ عادة ما تظهر ملامح هذه الطبقة مع انهيار الدولة الشمولية، اذ يتجه الكثير من أفراد وكيانات طبقة الأثرياء التي أفرزتها المرحلة الشمولية وبعض من طبقة العسكر ورجال الدين العاملين في السياسة مع غالبية الطبقة السياسية الحاكمة نحو استغلال السلطة بحثا عن المال عبر الاستيلاء على مواقع المسؤولية أو بتحالفها مع رجال السلطة، اذ تنمو الأموال وتتحالف مع الرساميل الأجنبية باتجاه ولادة طبقة برجوازية جاهزة لرعاية مصالح رساميل العولمة والنمو في ظلها.
وغالبا ما تحتاج الرساميل الأجنبية للرساميل المحلية ذات الميول النفعية في باديء الأمر، اذ تلج الرساميل الأجنبية بيافطات محلية، وليس هنالك أفضل من الكومبرادورية للتحالف مع رأس المال الأجنبي تحقيقا للمصالح والسيطرة على السوق الوطنية، اذ تعزل الرساميل الوطنية بوصفها رساميل قائمة على المباديء الأخلاقية.
وبحسب المعطيات، فان البلاد ستشهد خلال المرحلة المقبلة صعودا غير مسبوق لرموز رأسمالية محلية، بأسماء وعلامات تجارية عالمية أو مستحدثة بموجب تراخيص من رساميل العولمة ، تمهيدا لوضوح بيئة الأعمال واستقرار بنيتها القانونية التي تنظم علاقات السوق، وتطور البنية المعرفية في التعاملات والتداولات. وسيصاحب هذا الصعود توظيفا لمؤسسات فكرية وثقافية مستحدثة بهدف تكريس الخطاب والممارسات التي تبشر بعلو كعب الحريات وحق الملكية المطلقة، باتجاه احلال سلطة رأس المال محل وظائف الدولة اعتمادا على الأدوات الاعلامية وما يسمى بالمسؤولية الاجتماعية للشركات لكسب ود الناس، وصولا لاحلال سلطة رأس المال محل سلطة الدولة، وستشهد نهاية هذه المرحلة خصخصة لجميع وظائف الدولة، حينها ستنبري بوضوح الطبقة البرجوازية بوصفها ذيل لرساميل العولمة التي ستدير شؤون الحياة بدعوى ليبرالية السوق.
ــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha