المقالات

دكتاتورية الصوت العالي..!

1624 2023-01-13

د. علي المؤمن ||      تتجلى دكتاتورية الصوت العالي في كثير من المجالات الحياتية: الإجتماعية والثقافية والدينية والسياسية، ويمارسها من يمتلك أدوات تعبيرٍ أكثر فاعلية وضجيجاً ومواصلة، ويعمل عبرها على مصادرة أصوات الآخرين، وإن كانوا أكثر عدداً ووزناً، والهيمنة على قرار الجماعة، وإن كانت أغلبيتها ترفضه.    يتميز صاحب الصوت العالي عن الآخرين من خصومه وأصدقائه، بأنه يوظف ذكاءه ودهاءه لتجيير العقل الجمعي لصالحه، ولمهاجمة الآخرين، وأنه يتقن المنطق الشعبوي، ويسوغ لنفسه ممارسات ضد خصومه وأصدقائه، بهدف إضعافهم وإخافتهم وابتزازهم، في وقت لا يفكر الآخرون بهذه الممارسات أو لايستسيغونها.    خطورة صاحب الصوت العالي تكمن في قدرته على تحويل الوهم الى حقائق في العقل الجمعي، وهو أسلوب فاعل وسريع في غسل أدمغة الجماعة، فتنقسم الجماعة المنفعلة المتأثرة بخطابه الى ثلاثة أقسام:    القسم الأول: المؤيدون والأنصار، سواء المقتنعون به أو الإنتهازيون الذي يختبئون تحت مظلته لأسباب مختلفة.    القسم الثاني: المترددون المحتارون بين الإنبهار بصوته العالي وتأثيره، وبين سلوكه الذي ترفضه الأغلبية. هذه الإزدواجية تصب أحياناً في مصلحة صاحب الصوت العالي؛ لأنها تتحول لدى بعض هؤلاء المترددين الى ميول لمصلحته خلال وقائع وأحداث معينة، لا سيما إذا كان خصومه لايحسنون استقطاب المترددين. ويُطلق على المترددين ـ عادةً ـ أصحاب المنطق الرمادي.    القسم الثالث: الرافضون المستسلمون، الذين يعتبرون صاحب الصوت العالي قدراً مفروضاً يفوق قدراتهم على المواجهة، وإن كانوا أكثر عدداً وعدّة منه. ولذلك يعملون على اتقاء مخرجات دكتاتوريته، تحت عنوان المصلحة العليا للجماعة.    على المستوى السياسي، فإنّ صاحب الصوت العالي، هو الذي يمتلك وسائل تواصل وإعلام، ومتحدثين مكثرين، وأموال، ومجموعات ناشطة على الأرض، وعناصر نافذة في مفاصل السلطة. وعبر هذه الماكنة الفاعلة المنظّمة يوهم العالم بأنه يمثل الشعب حصراً، وأنه صوت الجماهير ونبض الشارع وضمير الأمة، وأن ما يقوله هو التعبير الوحيد عن رغبات الناس وإرادتهم وتوجهاتهم، وأنه هو الوطن والوطن هو. أما الذين يخالفونه فهم أعداء الشعب والوطن؛ بل هم مجرد أصفار أمام جبروته الشعبية وسموه الوطني.    لكن صاحب الصوت العالي هذا يمارس ـ في الواقع ـ أبشع أنواع الدجل والتزييف والدكتاتورية؛ لأنه يصادر أصوات الأغلبية الساحقة من الشعب، وينصِّب نفسه قيِّماً على الناس، ويعمل على سرقة قرار الجماهير والوطن، وهو في الحقيقة لايمتلك من الشارع إلّا جزءاً مما يمتلكه الأخرون، بل عادة ما يكون مرفوضاً من الأغلبية الشعبية الصامتة.    يزداد وجود دكتاتوريات الصوت العالي في أجواء الديمقراطيات المنفلتة، التي تكون فيها سلطات الدولة ضعيفة وتعاني من مسارب الفساد والفشل والشلل، وتكون الطبقة السياسية فيها تعاني من نقاط ضعف ذاتية وموضوعية، في مقدمتها التورط بممارسات الفساد، ما يضطرّها الى الصمت حيال صاحب الصوت العالي وسلوكه، وإن كان فساده أكبر منهم مجتمعين، لأن صوته العالي يغطي على فساده ودكتاتوريته، بينما صوتهم المنخفض المبحوح يجعلهم في فوهة مدفع الشعب.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك