المقالات

المشاركة الحضارية..!


محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

بغض النظر عن الدرجة الحضارية التي يمر بها المجتمع، فان تجربة خليجي ٢٥ الناجحة في العراق تشير الى امكانية المجتمع تحقيق انجاز حضاري، مادي وغير مادي، اذا توفرت عدة عناصر ضمن المركب الحضاري للمجتمع مثل القرار، والامكانيات المادية،  والكفاءة الادارية وغير ذلك. بقدر ما اعرف فان صاحب القرار في وقتها عمل على توفير البنية التحتية ممثلة بالملاعب ذات المستوى العالمي، وناضل بقوة من اجل اقناع الجهات المعنية باقامة الدورة في العراق، ووفر المستلزمات الادارية المطلوبة لذلك، وتوفرت الايدي العاملة الماهرة  والعقول المدبرة لانشاء كل هذا، حتى اصبح بالامكان اقامة المباريات في العراق وبالشكل الراقي الذي تحقق حتى لحظة كتابة هذا المقال، الامر الذي اكد على قدرة المركب الحضاري للمجتمع العراقي ومنظومة القيم العليا الحافة به على الاشتغال والخروج من الانسداد الحضاري الذي يعاني منه المجتمع. ما اريد التأكيد عليه هو ان حالة الانسداد الحضاري، او التخلف، او الخلل الحاد في المركب الحضاري، ليست حالة مزمنة chronical لا يمكن شفاؤها والخروج منه، وانها حالة مؤقتة مهما طال زمنها لان العناصر الاساسية للمركب الحضاري للمجتمع العراقي متوفرة بهذه الدرجة او تلك. وعليه فان حالة اليأس وفقدان الامل والاحباط التي يشعر بها البعض ليست صحيحة، وان بالامكان استثمار ما هو متوفر من اجل التقدم خطوة الى الامام، تتلوها خطوات اخرى. وهذا ما حصل في كل المجتمعات التي استطاعت ان تنهض حضاريا بعد فترات جمود وسكون. ما اريد قوله ان المجتمع الذي نجح في اقامة دوري الخليج يستطيع ان ينجح في مشاريع اخرى بشرط توفر نفس مقومات النجاح التي توفرت في خليجي ٢٥. هذا ليس املا كاذبا ولا سرابا خادعا وانما هو استنتاج سليم قائم على مقدمات سليمة.

لكني لا انكر ان هناك عقبات كبيرة امام هذا الامل الاساسي منها عدم وجود قرار اجماعي في المجتمع على النهوض الحضاري، وعدم صياغة البرامج الحكومية والاجتماعية الاخرى على اساس هذا الهدف، وعدم وجود تصميم و قرار قيادي بالسير في الطريق المؤدي الى الدولة الحضارية الحديثة مماثل للتصميم الذي انتج امكانية اقامة خليجي ٢٥.

املي في هذا الامر معقود بالدرجة الاولى لا على العناصر القيادية في الدولة (الحاكمين) وانما على الجمهور الواسع من المواطنين (المحكومين) الذين يشكلون الكتلة الاساسية لبناء الدولة. ان الدولة تتكون بالاساس من هذه الكتلة التي يتوقف عليها صلاح الدولة وقدرتها على الانجاز. فاذا صلحت الكتلة الشعبية صلحت الدولة، والعكس يصح.

والجمهور في نهاية الامر هم الذين يصنعون القيادات الحاكمة عن طريق الانتخابات الحرة النزيهة والاحزاب الوطنية المخلصة. وهذا يتطلب نضالا شعبيا منظما عن طريق حزب وطني حضاري كبير، وعن طريق المشاركة الايجابية في انتخابات حرة ونزيهة.  وهذا الخط في العمل يتطلب الحرص على الامكانيات الشعبية المتوفرة من الهدر والضياع عن طريق فعاليات ونشاطات غير مثمرة ولا تصب في المجرى الاساسي للوصول الى الهدف المعلن والمنصوص.

ما أريد التأكيد عليه هو ان اقامة الدولة الحضارية هدف ممكن  التحقق، كما تمت البرهنة العملية على ان  اقامة خليجي ٢٥ هدف ممكن. ولا يوجد دليل على عدم امكان اقامة الدولة الحضارية في العراق سوى اليأس والسلبية غير المبررين.  الامر لا يتطلب في البداية سوى اتخاذ قرار اجماعي  على مستوى الجمهور اولا وعلى مستوى القيادات ثانيا، بالعمل على جعل العراق دولة حضارية حديثة، وهذا لا يعني سوى اعادة بناء الدولة العراقية على اسس حضارية حديثة. وهذا قرار اتخذته مجتمعات عديدة ونجحت في تحقيقه من اليابان الى رواندا، على سبيل المثال.

 

ــــــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
جبارعبدالزهرة العبودي : في سورة مريم اكد اللنه سبحانه على اهمية المراة في الحياة من خلال الحمل والاولادة ...
الموضوع :
الى جماعة الجندر: من كنوز القرآن..تكريم المرأة ..!
جبارعبدالزهرة العبودي : الذين سبقوا الامام علي ليسوا بخلفاء لانهم سرقوا الخلافة من الامام علي عليه السلام فهو القائل (زفت ...
الموضوع :
عوامل ثورة الامام الحسين ع ومعطياتها - ١٢ -غياب روح المسؤولية عند الامة 
علي علي : مقال مهم يوضح انجازات لم تكن واضحة للجميع, وفق الله الكاتب من افضل ما قرات ...
الموضوع :
ماذا قدمت حكومة السوداني ؟!
علي عزيز : السلام عليكم عزيزي ورد ذكر بني معروف تقول إن إمارة المنتفق فيهم لكن لايوجد تفاصيل تاريخه حول ...
الموضوع :
عشائر قضاء سوق الشيوخ عبر التاريخ.
ستار العابدي : مثلك أقول إن التاريخ الوارد في اخبار معركة الطف كاذب ومزور وغير قابل للتصديق فعندما تراجع كتب ...
الموضوع :
لعبة العدد في القضية الحسينة..!
جابر شاهر جعفر : احسنتم شيخنا الفاضل الماسونية و الوهابية والسياسة العلمانية السنية واعلامهم المضل اخفت حقائق الإسلام المحمدي القويم وقاموا ...
الموضوع :
من العراق الى المغرب..رسالة إلى بابا عاشوراء
Azad : وهناك خيانة يقترفها مسعود منذ عام ١٩٩٢ والى يومنا هذا حيث قد جعل من الإقليم مستعمرة تركية ...
الموضوع :
مسعود البرزاني : العميل رقم ٤١
عبدالغني مرشد الحميري : سقف الحرية والجهل كحكومة ودولة مسلمة الاسلام دين لها وكتاب الله مرجعا لها وسنة رسول الله عليه ...
الموضوع :
السيد الملحد البخيتي وآليته في الجدال ونقاط ضعفه ة(البهيمية Zoophilia) أنموذجًا
مواطن : لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عجيب حين تخالف ارادة الانسان معتقده هو يرتجز باليقين انه ...
الموضوع :
لوحة الشمر بن ذي الجوشن ..  
فيسبوك