المحامي عبد الحسين الظالمي ||
لعن الله السياسة التي افقرت الفقير وسارت في جنازته .
الفقر حالة تجعل الانسان يفتقر الى ابسط المقومات المادية للحياة العادية التي يجب ان يعيشها الانسان مع بقية اقارنه في المجتمع
نتيجة افتقاده لمورد يمكنه من الاستمرار في حياته بشكل طبيعي ياكل ويشرب ويلبس ويتعالج ويلبي طلبات عائلته المعقوله .
تحضى الفئات التالية (الفقر والمسكنة واليتم وابن السبيل ) في الرسالة الاسلاميه باهتمام خاص حيث وضع لهم الاسلام مكانة خاصة في القران والسنة النبوية الشريفة واحاديث اهل البيت سلام الله عليهم اجمعين ومنها على سبيل المثال لا الحصر في مجال الفقر
( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا )
(الفقراء عيال الله ) ، (لو كان الفقر رجلا لقتلته ) والحديث في هذا المجال يطول استعراضه .
ولابد من الاشارة الى ان
الفرق بين الفقير والمسكين هو ان الفقير لا يملك قوت سنته (بالفعل او القوة) والمسكين هو اسوأ من الفقير وهو الذي لا يملك قوت يومه .
ما نريد ان نركز عليه بعيدا عن الدوافع والاغراض التي جندت هذا الموضوع سلبا وايجاب بل نحاول ان نركز على حقائق موجوده في حياة الانسان العراقي ، واذا اردنا كشف حقائق الموضوع بشكل واضح لابد من استعراض اهم فترتين عاشها ابناء الشعب العراقي الاولى تمتد من عام ١٩٩٠ الى عام ٢٠٠٣ والاخرى مابعد ٢٠٠٣ .
شكل غزو العراق للكويت بداية المرحلة الاولى بعد ان خرج من الحرب العراقية الايرانية والاوضاع شبه عاديه ولكن الغزو وما صاحبة من ردود فعل دولية
بقرارات صارمة جدا كان اسوئها فرض حصار قاسي جدا على العراق مما شكل حرمان الفرد العراقي من ابسط الامور ومع تراجع المخزون العراقي من اهم الامور الحياتية ومنها الغذاء ،
عم العراقين حرمان رهيب اذ اصبح الاعم الاغلب يفتقد الى مايجب ان يوفره لعائلته من الضروريات الحياتية ناهيك عن الامور الكمالية حتى جعلت البعض يبيع اثاث بيته وكل ما يكنز حتى وصل الحال الى درجة ان الشخص يضطر يستعير الملابس من صديقه او معارفه ، ويأكل اشياء كان بستخدمها علف للحيوان ولكنه وجد نفسه مضطرا لاستخدمها للاكل مثل نوى التمر او الشعير وغيرها كثير حتى ان الحاجة اجبرت العراقي على تدوير كل شىء يقع بيده ولا يرمي اي شىء حتى العاطل منها مما ترك في نفسه وسلوكه ما يسمى ( الكنز القهري ) فهو يحاول ان يحتفظ بكل شىء من البسمار الى البرغي الى الملابس البالية والحذاء الممزق والحديد وكل شىء تقع علية عينه يعتقد ان ذلك سوف ينفعه ذات يوم وهذه الحالة بقت مرافقه لاغلب العراقين حتى بعد زوال الحصار فكثير من العراقين الان منازلهم تضج بمواد الخردة وفي المحال والاحياء الصناعية وحتى في البيوت اذ غالبا ما ترى العراقي يحتفظ حتى بالمصباح العاطل والغريب انه لايعود اليه بل يذهب ويشتري الجديد .
الحالة المميزة ان حالة الفقر عاشها اغلب ابناء الشعب العراقي ولم يعد الفقر والفاقة انذاك شىء مخجل كما كان متعارفا عليه سابقا
بل ان الاكثرية يحاولوا اعادة تدوير ملابس واغراض بشكل علني وبمعنى اخر ان الفقر والفاقة كانت موزعه على الكل والذي يستثنى من هذه الحالة فئات قليلة جدا .
بعد ان تغير النظام ونتهى الحصار وفتحت السوق العراقية على مصرعيها ومع تتوفر موارد دخل جديدة للفرد العراقي وان كانت متفاوته ولكن حتى
هذا التفاوت خلق وضعا جديدا لم يكن موجود
بين الناس خصوصا مع سلوك البعض مختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة في سبيل الغنى السريع وتعويض تلك الايام السوداء اذ نقل الاغلبية ما في دواخلهم من سلوكيات فرضتها الحاجة في تلك الفترة ولكن بعض هذه السلوكيات وجدت طريقها الى حياة العراقي الجديدة .
رغم تطور الحياة في العراق واختلافها الكبير عن عقد التسعين ولكن اثار الاخيرة لازالت موجوده في سلوك الفرد فالشخص الذي يعيش مع جاره او صديقه في تلك الفترة نفس الحالة ونفس الظروف ونفس السلوكيات وربما كان في نفس المدرسة وكلاهما يدور الملابس عدت مرات او يستعيرها من صديقة اصبح اليوم يرى ذلك الصديق الذي ربما سلك سلوك طبيعي واجتهد في تطوير موارده او سلك سلوك غير طبيعي مستفيدا من حالة التحول فاصبح بحالة ممتازه فيما الاخر تطور ولكنه لم يصل الى ماوصل اليه صديقه او جاره وهو يراه يملك سياره حديثه وربما اكثر ومنزلا ممتازا فيما الاخر يملك منزل ربما متوسط وربما يملك سيارة جيده نسبيا ولكنه بقى يعيش حالة استشعار الفقر قياسا بصديقه وجاره الذي كان يعيش نفس الظروف فهو يشعر بنفسه فقير رغم امتلاكه لراتب ثابت ومنزل وسيارة وربما يستطيع ان ياجر او يشتري واسطة عمل ( سيارة يعمل بها او ستوته مثلا ) ولكنه بقى يعيش عقدة الفرق بينه وبين اقرانه .
عدد الوظائف وصل الى ارقام كبيره بالاضافة اعداد الرعاية الاجتماعية ومؤسسات الدعم الاجتماعي الديني والشعبي والتوفر النسبي للعمل ، وخصوصا لاصحاب المهن فمن الصعب ان تجد نجار او حداد او بناء او فني يعطيك موعدا ويفي بالموعد نتيجة كثرة الالتزام .
لذلك نرى ان البعض يعيش الفقر لانه يرى اصحاب الغنى السريع اخذت الفاصله بينه وبينهم تكبر يوم بعد يوم فاصاحب سيارة السايبة يرى في نفسه فقيرا قياسا لما يرى في الشارع ومايرى عند صديقه الذي ربما استعار منه القميص او السروال في يوم من الايام .
اما الفقراء الحقيقين بقوا يعيشون الفقر بسب سوء توزيع الثروة ومزاحمة الاخرين لهم في مصادر رزقهم .
الموظف الذي يزاحم سائق التاكسي بعد الدوام
وصاحب المول وصاحب السوبر ماركت الذي اخذ يزاحم البقال والتاجر الذي لازال يزاحم صاحب الرعاية الاجتماعية والصيدلي الذي اصبح يزاحم الطبيب في مهنته واخذ يعطي العلاج للمريض مما جعل الاخير يسلك سلوك الاتفاق مع الصيدلي والمختبر وكل ذلك من جيب اصحاب الدخل المحدود الذين لم يجارون سباق الاخرين .
حتى اصبح عند البعض رغبة الاكتناز رغم عدم حاجته فهو يبحث عن كل ما يمكن ان تصل اليه يده حلال كان ام فيه شبه وحتى الحرام لذلك لم تبقى حرمة للمال العام ولم يتحرج البعض من اخذ المال بطرق غير مشروعه حتى ان البعض تراه علننا يسلك سلوك الغش وعدم الايفاء بالكيل. خصوصا ونحن بالعراق لدينا فهم خاطىء عن الملكية خصوصا للمال فنحن نرى ان المال ملك محض للمالك وفي الحقيقة ليس كذلك وخصوصا النقد لانه ليس ملكا حقيقيا محضا للمالك فهو ملك الكل وان كان تحت يد معينة ولكنه ملكا اعتباريا وهو بالحقيقة ملك السوق لانه النقد يشكل محور الدورة الاقتصادية في السوق بين الانتاج والاستهلاك اللذان يخضعان لمبدء العرض والطلب لذلك نرى حكمة البارى عندما نهى نهيا شديدا عن كنز الذهب والفضه عندما كانتا تشكلان النقد انذاك ( والذين يكنزون الذهب والفضية ...يوم تكوى بها جباههم وجوههم وايديهم ) وهنا لابد من الاشارة الى ان الله لم يقل يكنزون بالحرام لذلك يستحقون الحرق بل قال الذين يكنزون مطلق الكنز لان كنز النقد فية ضررا كبيرا على الاخرين والبعض منا يكنز النقد وقطع الاراضي والسيارات والذهب والفضة وهو لا يبالي ولا يعتقد ان ذلك فيه ضرر ان خرج عن حده المعقول ،
بل البعض تمادى واخذ يكنز من المال العام
ويسبب حرمان كبير لطبقات واسعه من الشعب
فالذي يستولى على ٣/٧٠٠ ترليون وسبعمائة مليار من الاموال ليحولها الى عقارات اشعلت سوق العقار والذي بدوره حرم الانسان العادي من شراء المسكن مما جعله يعيش حالة الفقر نتيجة هذا العجز رغم توفر قوت سنته او ربما اكثر .
طبعا لايمكن لاحد ان ينكر عدم وجود فقراء زاحمهم البعض في الموارد التي يمكن ان تصل اليهم وهنا لابد ان نسال ، ماذا لو سخرت الرعاية الاجتماعية للفقراء فقط مع تحسين قيمتها نتيجة حصرها بهم فقط ؟ ماذا لو انحصر النقل الشخصي بصاحب التاكسي فقط ؟.
ماذا لو انحصر عمل بيع الفواكه والخضر بالبقال فقط ؟ وهناك الالف من ماذا ؟.
تسخير الفقر وتضخيمه سياسيا جعل العلاج حالة صعبة بل المفروض حصر الفئات التي تعاني الفقر الحقيقي وتقليله الى اقل مستوى بدلا من تضخيمه وجعل الكل يشعرون انهم يعيشون الفقر حتى ان الكل اصبح يشكوا حتى الذي وصل راتبه اكثر من مليون والذي راتبه خمسة ملاين تراه في صف من يستلمون البطاقة التموينية وبذلك زاحم من يستحقها ومنع عليه توفرها وتطويرها .
خلق جو عام كون حالة الفقر تعم اغلب ابناء الشعب قضية مسيسه اكثر ماهي حقيقة تحتاج الى علاج . بلد يوصف بان اغلب سكانه يعيشون الفقر فيما ترى الشوا رع تغص باحدث موديلات العجلات والاحياء السكنية لم تعد ممنوعه على اصحاب المهن والتجار اذ اصبحت تضج بالعمارات والمحلات التجارية ومحلات المهن ورغم ذلك الكل يشكو الفقر .
نعم هناك غلاء ولكن من تسبب بهذا الغلاء
غير الجشع وعدم القناعة والسعي وراء حطام الدنيا ؟ لذلك الكل يعيش الضنك في العيش وهو ضنك صوري وليس حقيقي نتيجة افتقاد القناعة
( ومن اعرض عن ذكري فان له عيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة اعمى ).
السياسي يسرق من المال العام وصاحب المهنه يسرق من المهنة الاخرى والكل ينافس الفقير في رزقه والكل يتكلم عن الفقر ويحارب الفساد وهو طرفا من اطرافه يعلم او لايعلم .
عندما ذهب غنى النفس ساد الفقر وعم الجميع
واصبح الكل يزاحم الكل والكل يبكي من الكل .
( كلما دخلت امة لعنة اختها ). لذلك من الصعب و من الظلم
ان نجعل من الشعب العراقي شعب يستحق الشفقة نتيجة الفقر وهو الذي يستضيف عشرون مليون زائر لمدة عشرة ايام كمعدل بشكل لايوصف حتى عند الكرماء والسبب يعود الى التجرد من الانا هذا التجرد لو امتد لفترة اشهر من بعد المناسبة لما عاش فقير بالعراق فالمشكلة ليس فقر حال بل سوء توزيع للثروة وعدم قناعة .
وحتى ولاة الرعية اصبح همهم الغنى السريع وليس معالجة الفقر والحد منه .
لعن الله من تسبب بالفقر ولعن الله من تسبب في تضخمية ومنع معالجته واستخدمه لاغراض لم يكن هدفها الفقير ؟.
لعن الله السياسة التي افقرت الفقير وسارت في جنازة فقره وحرمته من استحقاقه في بلد يطفوا على بحيرة من خيرات الله نخاف ان يسلبها الله نتيجة افعالنا ......
https://telegram.me/buratha