خطوات شبابية تجاه الحضارة الإسلامية ..
طالب رحمة الساعدي ||
(محمد شرف الدين)
الخطوة الاولى : في معنى الحضارة .
ان نقطة البدء في تأصيل مفهوم ( الحضارة ) هي العودة الى دلالات الجذر اللغوي " حَضَرَ" واستعمالاته في خطاب الوحي ، وعلاقة هذه الدلالات وتلك الاستعمالات ببناء المفهوم ،
وبالرجوع الى هذه المادة في لسان العرب نجد دلالتين – من بين دلالاته – ذات صلة بموضوع البحث –وهما-
الاولى : حضر بمعنى الحضور ، نقيض الغيبة والمغيب ، وحضر يحضر حضوراً وحضارةً .
الثانية : الحضارة – بكسر الحاء وفتحها – الاقامة في الحضر والحضر والحضرة والحاضرة خلاف البادية ، وهي المدن والقرى والريف ، سميت بذلك لان أهلها حضروا الامصار ومساكن الديار التي يكون لهم بها قرار .
وعرّفها أبو الأعلى المودودي بأنها: تصور سليم للحياة الدنيا وغايتها في نظام اجتماعي، يقود الإنسان إلى الرقي والإخاء والأمان، ويقول: «هي نظام متكامل يشمل كل ما للإنسان من أفكار وآراء وأخلاق وأعمال في حياته الفردية أو الأسرية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية» .
والحضارة ليست مجرد تصورات أو مفاهيم ومبادئ وقيم ولكنها أيضًا تطبيق لهذه التصورات والقيم والمبادئ فهي تجمع بين النظرية والتطبيق والتخطيط والتنفيذ بين التصورات وبين الواقع.
الحضارة-في مفهومنا العام-هي ثمرة كل جهد يقوم به الإنسان لتحسين ظروف حياته سواء أكان المجهود المبذول للوصول إلى تلك الثمرة مقصودا أم غير مقصود ، وسواء أكانت الثمرة مادية أم معنوية .
ويخصصها ديورَانت في قصته بـ " نظام اجتماعي يعين الانسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي "
وقال الميداني ، اذا كانت الحضارة تعني في اصل اللغة إقامة مجموعة من الناس في الحضر ، اي في مواطن العمران ، سواء كانت مدناً ام حواضر ام قرى ، فان معناها قد توسّع عند المؤروخين والباحثين الاجتماعيين حتى صار شاملا لجميع انواع التقدم والرقي الانسانيين ، لانهما لا يزدهران الا عند المستقرين في مواطن العمران .
وبإحصاء صور التقدم والرقي عند الانسان نستطيع ان نرجعها الى الاصناف الثلاثة التالية :
الصنف الاول : ما يخدم الجسد ويمتعه من وسائل العيش ، واسباب الرفاهية والنعيم ومعطيات اللذة للحس او النفس .
ويدخل في الصنف انواع التقدم العمراني والزراعي والصناعي والصحي والادبي والفني ، والتقدم في الانتاج الحيواني ، واستخراج كنوز الارض ، والاستفادة من الطاقات المنبثة فيها ، وما اشبه ذلك .
ويدخل ضمن هذا جميع انواع العلوم والثقافات التي تخدم هذا الصنف .
الصنف الثاني : ما يخدم المجتمع الانساني ، ويكون من الوسائل التي تمنحه سيادة النظام والعدل والحق ، وانتشار انواع الخير والفضائل الجماعية .
ويدخل في هذا الصنف انواع التقدم الاجتماعي الشامل للنظم الادارية والحقوقية والمالية والاحوال الشخصية والشامل للاخلاق والتقاليد والعادات الفاضلات وسائر طرق معاملة الناس بعضهم بعضاً في علاقاتهم المختلة . وكل انواع الثقافات والعلوم التي تخدم هذا الصنف .
الصنف الثالث : ما ياخذ بيد الانسان فرداً كان ام جماعة الى السعادة الخالدة التي تبدأ منذ مدة إدراك الانسان ذاته والكونَ من حوله ، وتستمر مع نفسه وروحه الخالدتين الى ما لا نهاية له في الوجود الابدي ، الذي ينتقل من حياة جسدية مادية يكون فيها الابتلاء ، الى حياة نفسية روحية برزخية يكون فيها بعض الجزاء ، ثم الى معاد جسدي نفسي وروحي يكون فيه كامل الجزاء .
ويدخل في هذا الصنف انواع التقدم الفكري القائم على التأملات الحِكمِية ، التي توصل الانسان الى معرفة الخالق ، وسر وجود الانسان ، وغايته ومصيره ، وواجبه في الحياة الدنيا، وسُبل سعادته الابدية الخالدة ، وهي الامور التي تحمل اسم المعتقدات والواجبات الدينية وسائر التكاليف والاداب الشرعية الاسلامية .
وعليه يمكن القول ان الحضارة تقوم على ركنين
1. الشكل: الإعمار والتقنيات والعلوم والفنون.وحسب تعبير الدكتور الشبلي في موسوعته " المدنية وهي الرقي في العلوم التجريبية كالطب والهندسة والكيمياء والزراعة والصناعة والاختراع الالي ، وسمي الرقي في هذه العلوم " مدنيّة" لارتباط الرقي فيها بالمدينة والاستقرار ، إذ لابدَّ للطب من مستشفيات، ولابد للهندسة من ( ورشة ) ......"
2. المضمون: الفكر والمبدأ والثقافة التي تبتني عليها الحضارة.وحسب تعبير الشبلي " ومعناها – الثقافة- الاصطلاحي الرقي في الافكار النظرية ، وذلك يشمل الرقي في القانون والسياسة والاحاطة بقضايا التاريخ المهمة ، والرقي كذلك في الاخلاق والسلوك ، وامثال ذلك من الاتجاهات النظرية ....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha