المقالات

بناء الأسرة الصالحة

1848 2022-02-18

 

د. علي المؤمن ||

 

   الأسرة هي نواة المجتمع والحجر الأساس في بنائه، فتشكيل المجتمع يبدأ بأسرة وينتهي بمجموعة أُسر. وبذلك ينعكس وضع الأسرة بالضرورة على وضع المجتمع سلباً وإيجاباً، كما ينعكس على الفرد سلباً وإيجاباً أيضاً. وبالتالي؛ فالأسرة تمثل إحدى قنوات انتقال الوراثة الحضارية بين أجيال المجتمع، وهذه الوراثة تعبّر عن التأثير العمودي للأسرة، بموازاة تأثيرها الأفقي المكاني في سائر مكونات المجتمع.

   وقد اهتم الإسلام بقضايا الأسرة وتكوينها، وأسلوب نشأتها اهتماماً بالغاً، ينسجم مع طبيعة تأثير الأسرة ودورها، وقنّن لأسلوب نشأة الأسرة في إطار شكل واحد يدعو له ولا يعترف بغيره، وهو الشكل الذي يقوم على زواج الرجل والمرأة، ثم الإنجاب وتكثير أفراد الأسرة. ولم يترك الإسلام مجالاً من مجالات حياة الأسرة إلاّ وتدخل فيه وشرّع له.

   والأسرة حاجة مصيرية للإنسان، وضرورة نفسية وتربوية، والنزوع إلى بنائها نزوع فطري. وقد جاء الإسلام لينظم هذا النزوع ويشرّع له، فهو يدعو إلى بناء الأسرة بصورتها القويمة.

   الخطوة الأولى في هذا الطريق هو الزواج؛ لأنه نواة الأسرة. يقول تعالى ((ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها)). فالزواج سكن للإنسان، ذكراً كان أم أنثى، بما تعنيه كلمة السكن من استقرار نفسي وجسدي، مادته الرحمة والمودة والحب. وفي آية أخرى يقول تعالى: ((هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منها رجالاً كثير ونساء)). وكون الزوجين من نفس واحدة هو خير منطلق للتكامل التكويني والتوازن والتكافؤ التشريعي الرجل والمرأة.

   ولا يسمح الإسلام بالتساهل في مجال الاختيار والبحث والتأمل في شريك الحياة، بل إنه يحث على ذلك، حفاظاً على مستقبل البناء الصالح للأسرة المسلمة، لما لطبيعة الإنسجام والمعاشرة الحسنة بين الزوجين من تأثيرات أساسية على وضع الأسرة بشكل عام، بما فيها مستقبلها ومستقبل أفرادها. يقول الرسول محمد: ((اختاروا لنطفكم الولود، الودود، العفيفة، العزيزة في أهلها، الذليلة مع بعلها)).

   وعند الحديث عن التجهيز للزواج، يبرز موضوع المهر ومشتريات الزواج وحفلاته. وهنا أكدت الشريعة الإسلامية على أن المهر ليس تعبيراً عن قيمة لعملية بيع وشراء، بل هو مجرد وسيلة لتوفير أسباب العيش للأسرة الجديدة. وقد بارك الإسلام قلة المهر، حتى أجاز الحد الأدنى منه، ولو كان تعليم سورة من القرآن الكريم. يقول النبي الخاتم: ((من بركة المرأة قلة مهرها))، أو كما يقول الإمام الصادق: ((الشؤم في المرأة غلاء مهرها)).

   ويروى أن الإمام علياً حين جاء يخطب السيدة فاطمة الزهراء من أبيها قال له رسول الله: ((هل معك شيء أزوجك به؟))، فكان الخيار الدرع الذي يمتلكه الإمام علي، إذ باعه بما يقرب خمسمائة درهم، ليدفع ثمنه مهراً للسيدة فاطمة. أما «الجهاز» الذي اشتراه للعروس بالمهر المذكور، فقد كان مؤلفاً من فراش من الخيش محشو بالصوف، وسادة محشوة بليف النخيل، عباءة خيبرية، قربة للماء، جرتين، قعب لبن، حصير هجري، قميص، منخل، منشفة، رحى، قدر نحاس، وأشياء أخرى أقل أهمية، شكلت بمجموعها أثاث البيت الجديد.

   وهذا لا يعني أن هذه البساطة تنسجم فقط مع الظرف المادي لذلك العهد، بل كان باستطاعة الرسول محمد تجهيز ابنته بأفخم جهاز، فقد كانت بعض الزيجات حينها على قدر كبير من البذخ والإسراف. في حين كان الرسول يهدف أن يقدم للأمة، في حاضرها ومستقبلها، أنموذجاً معيارياً للأسرة المسلمة، وهي في بداية طريقها لممارسة الحياة.

ـــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك