حسن المياح ||
ممارسة لغوية في البحبوحة ، والبحبحة ، والتبحبح )
" البحبوحة " في اللغة تعني الوسط ، والذي يسأل الله سبحانه وتعالى البحبوحة في الجنة ، يعني أن يكون في وسطها وداخلها ، ليتمتع بنعيمها وبفيوضات الله فيها ، والذي يتبحبح في الدار يعني الذي يتوسطها ويتمكن منها ، والتبحبح هو التمكن في الحلول والمقام ؛ بمعنى أن يحل في الوسط ويقيم ويكون ويستقر .
ومن خلال هذا أنا أميل الى أن إستخدام " بحبوحة " أن يكون إستخدامه في الخير والإيجاب والنفع ، لا في الشر والسلب والضرر ، إلا إذا كان تهكمآ وسخرية وإستهزاءآ ، وما يشم منه رائحة التشفي والتلذذ سادية مرض بشري نفسي الذي يتمنى أن يصاب الآخر بالضرر والضيق والعذاب والحاجة والألم والحرج .... وعليه هل يصح أن نقول أن" كذا " هو في بحبوحة من الحاجة والفقر والضيق والعسر ، وما الى ذلك من الشدائد .... بالوقت أن البحبوحة تعني المساحة من الوسع والتمكين ..
وحينما نقول عن شيء " بحبحه " كفعل طلب وإلتماس وترجي ، فإننا نعني بهذا التعبير بمعنى أن قربه ، أو أدنوه ، أو إجعل فيه من المرونة والتحرك للتغيير نحو الإيجاب لا السلب -- لأن السلب يعني هنا التباعد والإفتراق وحجب الإمكان بمعنى منع الشيء أن يكون -- ، أو إرفعه أو أخفضه إقترابآ إيجابآ وموجبآ للقناعة والرضا ، حتى يكون التمكين والتلائم ، والتوافق والإنسجام ، والقبول والرضا ..
وكذلك أني أرى في البحبوحة نوع ميل وإنبساط الى الحب والرغبة والشوق والدنو والإقتراب للشيء المحبوب ، فلذلك هو " يتبحبحه " بمعنى أنه يريده ويحاول أن يقترب منه ليكونه ، أو يكون فيه وفي وسطه ..... والإنسان لا يريد أن يكون في وسط النار أو الشر ، أو الفقر أو الحاجة ، أو أي صفة نقص أو سلب ، ولذلك هو " يبحبح "حاله بمعنى أن يكون بعيدآ من السلب والضرر ، وأن يدنو ويقترب ويكون في داخل الإيجاب والنفع .. فالبحبحة هنا تعني الإبتعاد عن السلب والضرر والشر ، والإقتراب من الإيجاب والنفع والخير .
ف " البحبحة " تميل إستخدامآ لغويآ ، وإستعمالآ أسلوبآ وتعبيرآ ... الى الإيجاب النافع ، لا الى السلب الضار .
وإذا قلت لي أن القرآن الكريم يستعمل ما يشابه هذا إستعمالآ ، ويقاربه إستخدامآ . وأنه في الضرر والألم والعذاب ؛ ولكنه يستخدم كلمات الخير والصفات الكريمة المحببة ، والنعوت الطيبة المتمناة من مثل قوله ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) توصيفآ لمن هو من في النار والجحيم ليعذب .... فما تقول بهذا؟
فأجيبك بنفس الأسلوب القرآني الذي يقول ( إن تسخروا منا ، فإنا نسخر منكم ، كما تسخرون ) ... وهذا أسلوب بلاغي ضخم كريم ، قويم مستقيم ، وهو يدلل على السخرية من الذي بدأها وهو الظالم لنفسه لما إنتقد بأسلوب ساخر هازل منتقص ممن إلتزم بما شرعه الله من عقيدة ومنهج وتشريعات وعبادات في الحياة الدنيا ..... فأراد الله سبحانه وتعالى الإلاه الخالق القادر العالم الحكيم المنعم المنتقم المقتدر للإنسان الذي سخر منه لما سلك سبيل الطاعة عبادة حقة ، أن يمكنه جزاء ثبات ورسوخ ويقين إلتزام طاعة من الذي سخر منه ، أن يسخر من حال الذي سخر منه ، ويستهزيء به كما هو إستهزأ به ( وهو الذي كان فيه منتفخآ متورمآ منتفشآ منتعشآ سخرية وإستهزاءآ ) وهو الآن المقيم في الجحيم في وسط ( بحبوحة ..كإستخدام مجازي قصد الإهانة والسخرية والإستهزاء ) النار والعذاب الأليم ...وأنه مطابقة نفس نوع فعل ، وماهية جنس سلوك .
وهناك الكثير من التفرعات والتفصيلات ، والتشعبات والإستنزافات ، من الإستخدامات اللغوية التي تتطلب الدقة في الإستعمال والإستخدام ..
وأخيرآ أقول : أن الوزر على من قال وعزز الإستعمال ، ووصف وأكد النعت إستخدامآ مشاعآ ..في المقولة البائسة الخاطئة ، اللغو المبتذلة ، التي هي ( الخطأ الشائع خير من الصحيح الضائع ) ....والأجر والثواب لمن إستقام وأحسن إستخدام اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم ..
تلك هي المسألة التي ينبغي أن نلتفت اليها لما نشير ونحدد ، ونصف وننعت ، ونصرح ونقول ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..