د.جهاد العكيلي* ||
في وطننا حكايات كثيرة، وكثيرة ينسج خيوطها أبناءه على مختلف إنتماءاتهم الوطنية من حيث فسيفساء العرق والدين، والذين يشكلون لوحة الحياة الحضارية والانسانية على إمتداد مساحته الجغرافية العامرة بكل خيرات الدنيا، لكن وطن اليوم ليس كوطن الامس القريب منه والبعيد! ..
فوطن الامس هو وطن الغني والفقير معا، الكل يسترزق على الكل طبقا لعدالة السماء مع وجود فوراق بسيطة تتعلق بالسعي العملي، وغالبا ما لا يشعر بها المواطن ذلك ان عباءة الوطن المتمثلة بمنظومة القيم والأخلاق والنزاهة العراقية هي الصفة الغالبة في طبائع الناس، فالكل يشعر ان هذه البقعة المسماة بالعراق تحتضنهم، وهي جامعة للم شملهم والمؤلفة لقلوبهم بالرحمة والمودة والعفو والتسامح ما كان وبقدرة الرب الرحيم يعينون أنفسهم على تجاوز المحن والعقبات، وهم يشقون الطريق نحو الحياة بالرغم من رياح الشر التي عصفت بهم على مدى سنين طوال وضربتهم من كل حدب وصوب من دون ان تستثني غني او فقير غير إنها لم تأخذ منهم الوطن ..
والعراقيون على وفق هذا الوصف ظلوا يتشبثون بالعراق وطنا، بل صكا يراود حلمهم الذي يعقدوا عليه الآمال ليغنيهم يوما ما وليفيقوا من وجعهم ومن ضربات الزمن الذي مضى وقساوته عليهم، وهكذا كانت ذاكرة كل العراقيين من الاغنياء والفقراء مليئة بأحلام المستقبل الذي دمرته ديمقراطية أمريكا وأصدقائها، رغم ان العراقيين تدافعوا المناكب كي يبصموا للأصدقاء بأصابعهم باللون البنفسجي على امل تحقيق حلمهم القديم الجديد، وليعم الخير بينهم وليبنوا وطنا كما الاوطان الاخرى من خلال توظيف خيراته التي تزخر باطن ارضه وظاهرها بكل نعم الله جلت قدرته ..
ومع مرور الايام وتعاقب السنين الديمقراطية في زمن الاحتلال البغيض وفرض سطوة الاصدقاء وتقاسم الاموال والخيرات لا زال فقراء الوطن ينظرون بل يتطلعون بعزيمة وإصرار الى صناعة عراق في المستقبل القريب وبتطلع شديد غير مسبوق، تاركين من خلف ظهورهم ذاكرة الماضي الاليم بإنتظار الخير والعطاء، ليعبروا بالوطن الى حالة الازدهار والتقدم والبناء ليعوضوا بذلك كل ما فقدوه في الماضي القريب وفي هذا الزمن الاغبر، لكن سوء الطالع ظل يرافقهم عندما استفحلت ظاهرة فساد حلفاء الاحتلال بفعل التحاصص المذهبي والاثني وسياسة التوافقات المقيتة على قاعدة هذا لك وهذا لي ، حتى صار الوطن اشبه ببورصة مال يتقاسم اسهمها اصدقاء الاحتلال واصحاب النفوس المريضة الذين لم تكفهم سرقات أموال الوطن وشعب الوطن ناهيك عن سرقة اموال الميزانيات العراقية الضخمة وبعضها كانت ميزانيات انفجارية غير انها ذهبت في جيوب المحتالين الذين تفننوا بطرق النصب والاحتيال بشكل لم يكن يألفه العراقيون ..
ان ما يحصل في وطننا في زمن فوضى الدولة واللادولة، هذا عبارة عن قصص مخيفة نسمع فصولها كل يوم بل في كل لحظة وحين، والمضحك المبكي في آن واحد ان ابطال الفساد يتصارخون عبر وسائل الإعلام ومنها بالذات المرئية بحبهم للوطن، ولكنهم يأكلون كبده وكبد المواطن بلا رحمة، بل لم يبقوا للوطن اي شيء حتى عباءته الاخلاقية وقيمه الوطنية التي كان يلتحف بها فقراءه وأغنياءه مزقوها شر ممزق حتى صار الوطن وكانه ملكا لهم يبيعونه مقابل ثمن بخس وضعوا تسعيرته على جدران بنوك الدول، فذهب الوطن وبقى الفاسدين .. لكن المواطن لا يزال يصرخ بأعلى صوته: نريد وطن ..
* كاتب عراقي
https://telegram.me/buratha