🖊ماجد الشويلي||
لم يكن (توماس جفرسون )وهو أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة؛ وحده من يرى أن (الديمقراطية) لاتعدو عن كونها (حكم الغوغاء)، حيث يمكن لواحد وخمسين في المئة من الشعب استلاب حقوق التسعة وأربعين في المئة الآخرين.
فقد سبقه بذلك الفيلسوف العبقري أفلاطون حين وصفها بأنها؛
((أسوأ أنواع الحكم هو الحكم الديمقراطي))
فقد كان رأي أفلاطون هذا نابع من رؤيته للغوغاء اليونانية التي ارغمت استاذَه سقراط على تجرع السمّ .
نعم حتى الغوغاء قد تكون أرحم حينما تنقلب الاغلبية على نفسها فتكون أقلية باسم الديمقراطية.
لقد قامت الديمقراطية في العالم المعاصر على أساس حكم الاغلبية ، أعتماداً على آلية خوض الانتخابات والاحتكام لما تفرزه صناديق الاقتراع .
الا أن الديمقراطية في العراق اخذت منحى آخر يقوم على أساس منع الاليات الديمقراطية المعتمدة عالمياً من فرز الواقع
الديمغرافي العريض للشعب العراقي درأً لهاجس حكم الاغلبية.
ففرضت آلية المحاصصة المكوناتية، التي تناسلت عنها المحاصصات الحزبية والعشائرية وحتى المناطقية .
لتتحول الاغلبية من الناحية التطبيقية الى اقلية مرغمة على التشبث باستحداث كيفيات جديدة لالاثبات كونها أغلبية، بل للمحافظة على تثبيت حقها كمكون له ما للمكونات الاخرى من استحقاقات سياسية.
فكان من أبرز تلك الصيغ التي اعتمدتها الاغلبية لتحقيق ذلك الغرض هو الائتلاف الوطني الموحد ، ومن ثم التحالف الوطني.
فتمكنت الاغلبية الشيعية عبر ذلك من المحافظة على استحقاق الاغلبية (الصوري )في الحكم وليس استحقاق الاغلبية وفقا للاطر الديمقراطية السائدة في العالم.
ومع ذلك لم يكن بوسع هذه الكيفية أنتزاع الاغلبية بشكل مريح، اوقل وفقاً للاطر المعهودة في النظم السياسية ، ولا الحفاظ على المقدار الذي يحفظ للمكون الاغلبية الموازية بحجمها البرلماني حجم المكونات الاخرى .
ولو وقفنا عند التشظي الحاصل خاصة بعد انهيار الائتلاف الموحد والتحالف الوطني معاً . وبعد أن قررت المرجعية الدينية ابقاء الابواب مؤصدة بوجه السياسيين الشيعة.
ونظرا لاقتراب موعد اجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة ؛ فان الاغلبية اليوم قد تتحول بشكل رسمي الى أقلية سياسية ، محكومة من الاقلية المكوناتية لاسباب عدة بعضها يتعلق بقانون الانتخابات الذي لا اعتقد بان الكتل الشيعية قد سبرت اغواره بالفعل واطلعت على كنهه جيدا لترى مافيه من مخاطر على ضمان اغلبيتها.
والامر المهم هو غياب المثابة الجامعة للشيعة التي كانت تؤمن لهم ذلك المقدار الضئيل من استحقاقهم الواقعي .
فلم يبق لهم بحسب تقديري من مثابة جامعة الا الحشد . فهو مثابة مهمة ومركزية رغم انه مؤطر بواقع قانوني وليس له مزاولة مباشرة للعمل السياسي.
لكن مالم يتم استثمار الزخم المعنوي الذي يوفره الحشد بنحو يظلل جميع القوى الشيعية ، ويعوضها عما منيت به من خسارة بفقدان التحالف الوطني، فان استحقاق الاغلبية في الحكم عرضة لتهديد حقيقي مضر ليس بالشيعة فحسب ، بل بالعملية السياسية برمتها .
فمن يعي ويدرك ماهية النظام الديمقراطي ، يعلم انه نظام الغوغاء بالفعل لو اصاب كابح الاغلبية عطب التفرقة والتشرذم.