🖊ماجد الشويلي ||
يبدو اننا نقف على اعتاب جدلية جديدة قائمة على أساس البحث على
(من يتحكم بمن) ؟
هل النخب هي المؤثرة في حسم المواقف والنزاعات السياسية في البلد
أم أن الطبقات الشعبية باتت هي العامل الفاعل والمؤثر ومن بيده حسم الصراعات والخلافات السياسية .؟
ولو افترضنا اننا حسمنا الامر واقررنا بحاكمية احدهما على الآخر سواء كانت حاكمية النخب أم الطبقات الشعبية ، فاننا امام ضرورة تشخيص داء عضال ينخر في جسم البلد بغية علاجه وتحديد السبيل الصحيح للتعاطي معه .
فلو نظرنا الى الاسرائيليين كنخبة
في المجتمع الامريكي لوجدنا انهم صانعو الرأي العام فيه بامتياز ، ورغم ان نسبتهم من إجمالي سكان امريكا تصل ل 3% إلا أن نسبة مشاركتهم في الانتخابات تصل لمستوى 90% مما يجعلهم كتلة لايستهان بها .
هذه النخبة الاسرائيلية تحتل مانسبته 25% من الصحفيين
و17%من قادة منظمات المجتمع المدني
20%من اساتذة الجامعات
40%من شركات المحاماة في نيويورك وواشنطن
59% من الكتاب والمخرجين
فضلا عن سيطرتهم على أهم الصحف الصادرة في امريكا وفي مقدمتها (نيويورك تايمز)
تسعى هذه النخبة المهمة والمميزة الى تطويع بقية الشعب الامريكي لاهدافها ومشاريعها وقد حققت بذلك نجاحات مهمة ، رغم أن من بين كل 10 أمريكيين 6 أشخاص يرفضون تبني الولايات المتحدة لاسرائيل .
لكنهم ومن خلال التحكم بزمام المفاصل المؤثرة في صناعة الرأي العام كمواقع التواصل الاجتماعي وصناعة السينما والقنوات التلفزيونية.
فقد تمكنوا من جعل المخيلة عند أغلب الامريكيين هي البديل عن الواقع الحقيقي الذي جرى تزييفه وتحريفه بما يتناسب مع اجندات النخب الشريرة التي تسعى ليس لمجرد الهيمنة على مقدرات الشعوب والامم وانما لاعطاب قيمها وتحويلها ((لقطيع ضال حائر ليس عليهم إلا ان يحموا انفسهم من وقع أقدامه)) على حد تعبير المحلل السياسي والاعلامي الامريكي الشهير (والتر ليبمان)
كل ذلك يجري عبر إِعمال ستراتيجية( post -truth) "مابعد الحقيقة "والتي تعرف
ب((الظروف التي تكسب فيها الحقائق تأثيرا أقل في تشكيل الرأي العام مقارنة بتأثير ماتفضله العاطفة والقناعات الفردية التي يتم إيثارها على الحقائق))
فالسياسة الخارجية للولايات المتحدة الموجهة ضد بلد ما تعمد لخلق ظروف وبيئة مناسبة لتترعرع فيها مخيلة الشعب وتحلق لمديات بعيدة جدا يصعب معها العودة الى أرض الواقع بسلام .
فتحصل لدى الشعب حالة من الايغال بالطوباوية وعدم السماح للذهن بالتقاط انفاسه والعودة ولو لبديهياته .
فالعودة للبديهيات هي عودة للحقيقة والعودة للحقيقة هي عودة للواقع المرير الذي عاشه وتخلص منه بفضل ثمالة مخيلته .
لكن أخطر مايمكن أن يصل اليه هذا التيار الشعبوي هو أيمانه بأن تحقيق ما آمن به وارتكز في مخيلته لايمكن تحقيقه الا بالعنف .
وبكل انواع العنف ؛ العنف الجسدي، الاخلاقي، الدعائي الاعلامي الخ...
وهنا تكون السلطة المستهدَفة أمام خيارين احلاهما مر ؛
إما أن تمارس معهم العنف المضاد ؛ أو الانسياق معهم وراء مخيلتهم نحو المجهول
((فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)) الحج (31)
إذن وبحسب ما اعتقده أن النخب هي من تتحكم بالتيار الشعبوي وإن بدا التيار الشعبوي هو المؤثر في الشارع وبدا معه وكأن النخب منقادة اليه .
نعم النخب العاجزة مهما بلغت كثافتها ستكون إما مجبرة على مجاراة التيار الشعبوي الغارق بثمالة ماوراء الحقيقة
(post-truth)
أو الانسحاب من الميدان بشكل نهائي
إن مايعزز رأيي بهذا الخصوص أن النخب هم سائسو العقول) أن المفكر الاسلامي راشد الغنوشي في احدى لقائاته المهمة قال :
((عندما أخذنا معظم السلطة(في تونس) أخذناها وفق قراءة خاطئة، على أساس أننا أخذنا الأغلبية، دون أن ننتبه لميزان النخبة الذي نحن ضعفاء فيه.))
ولذلك وجدنا الامام علي عليه السلام رغم جيشه الجرار الذي يحيط به إلا انه استشعر الوحشة والغربة وأخذ يندب الصفوة من اصحابه قائلا ؛ "أين عمار أين ابن التَّيهان "؟ !
لما للنخبة من تأثير على الرأي العام
وعليه ووفقاً لهذا المنظور فان العبارة الادق
ليست هي ؛ أن التيار الشعبوي المخيلاتي بات فاعلاً ومؤثرا بقدر ما أنه بات أداة للسيطرة تتحكم به النخب المضادة لتوجهات النخبة التي انبرت للسلطة وخالفت بمقتضيات حكمها اجندات الغرب المتحكم بزمام المقدرات الاعلامية والفنية والقانونية وغيرها، ووضعتها بمتناول النَزَقَةُ الذي صدرتهم في الاعلام كواجهات للتيارات الشعبوية
حتى صدقنا بان التيارات الشعبوية الساذجة باتت هي من تعزف ايقاع التغيير وتنشد لحن المستقبل .
ـــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha