ابراهيم العبادي
تسجل احاديث العراقيين اليومية عن الشأن السياسي الماعات ولمحات ذات قيمة معرفية مهمة ، فهي تعيد التذكير بالمضمر والعميق في الوعي السياسي او قل اللاوعي السياسي الذي يتمظهر في لغة التعبير والخطاب اليومي .
الشغل الشاغل للعراقيين اليوم هو الخروج من المأزق السياسي المستدام والازمة السياسية المتواصلة من دون حل ،فبلاد بحجم العراق وخطورته على نفسه وجيرانه تعيش فراغا حكوميا منذ اشهر ،والحكومة المستقيلة تصّرف الاعمال اليومية بلا موازنة مقرة من مجلس النواب ولا صلاحيات تعينها على اتخاذ قرارات مهمة يحتاجها العراق في هذه المرحلة من تاريخه .
سبب هذه المعضلة هو عدم قدرة السياسيين على الاتفاق على شخص رئيس للوزراء يشكل حكومة تحظى بقبول مجلس النواب وترضي الشارع المطالب بالاصلاح .
فبسبب مساحة الحرية التي يتمتع بها السياسيون ، ولافتقادهم الى آمر -ناهي (يقنعهم وويهددهم ويخيفهم)،يحملهم على الاتفاق ، اهدر ساسة المكونات العراقية فرصا كثيرة لملأ الفراغ الحكومي تارة بسبب اعتراض الشركاء الكرد وقسما من السنة وبعض الشيعة وتارة بسبب قوة تأثير الجمهور المحتج ،وثالثة بسبب غياب الضاغط الخارجي صاحب اليد الطولى والعقل الاستراتيجي .
بصراحة متناهية كان لغياب قائد فيلق القدس الحاج سليماني وقعه المؤثر ،فقد كان حائك السجاد الهاديء يحل العقد ويبرم التوافقات ويخرج الصفقات وينتج للعراق حكومات مابعد التغيير بقبول امريكي وشكوى هامسة من الاخرين ،اما وقد سحب الامريكان ادواتهم المباشرة وغاب صانع الحكومات ،فقد تُرك ساسة العراق يكابدون صراعاتهم الشخصية وطموحاتهم السياسية المتعارضة بلا راع ولا ضاغط ، يبدون كالطواويس التي تختال بريشها ،لكنها لاتصلح للافعال بل للاستعراض ، وهنا تستحضر عقدة الشرق الاوسط ومجتمعاته القبلية واحزابه التقليدية ، فنحن بعيدون عن العيش في ظل انظمة حديثة تصنع فيها المؤسسات السياسية قادة ورجال دولة واجيال سياسية تتوفر على النضج القيادي ومهارات التفاوض وقدرات الاقناع وانتاج التسويات وتشكيل السلطات وادارة الازمات .
رئاسة الوزراء في العراق تعيش مشكلتين متزامنتين ،عقدة الرجل المناسب ذي القدرات الاستثنائية ، وعقدة المؤسسة السياسية القادرة على اعداد هذا الصنف من الرجال ، لذلك يعود العقل السياسي الشعبي الى التاريخ مرتدا على اعقابه مستذكرا رجالا رحلوا كانت تحف بهم المشكلات وتحوطهم السلبيات لكنهم غدوا اليوم رموزا ناجحة يتمنى العراقيون عودة نموذجهم مجددا ،العراقيون يريدون رجلا قويا يعيد للعراق قوته وينقذه من اهواء ساسته وتخبطاتهم وصراعاتهم .
البنية الاجتماعية والسياسية لازالت بنية ابوية (بطريركية ) استلهاما من فكرة عالم الاجتماع الراحل هشام شرابي (1927-2005) والعقل اللاوعي يستحضر الزعيم القوي والشيخ الحازم القادر على توحيد البلاد وانهاء نزاعات السياسيين الطفولية عودة الى النموذج البسماركي أو شيخ المشايخ العربي ، لاشك انها حاجة جماعية (للقيّم) الذي يتسيد البلاد ويعيد الهيبة للسلطة ولموقع رئاسة الوزراء الذي جعله دستور 2005 قائدا للدولة ومهندسا لسياستها ، هذا الموقع الذي بقي من (حصة) الشيعة السياسية في طريقه الى الاضمحلال اذا ماواصل زعماء الفصائل الشيعية خصوماتهم بدون عقل اخلاقي يحكم هذه الاختلافات .
ــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha
![](https://telegram.org/img/t_logo.png)