المقالات

الصناعة الوطنية ،ومسارات النهوض


عبد الزهرة محمد الهنداوي

 

لعل من ايجابيات   الحراك الشعبي ، المتمثل بالتظاهرات المستمرة منذ اكثر من شهرين ، انها أسهمت في رفع منسوب الروح الوطنية لدى العراقيين ، بنسب اعلى من المعدلات الطبيعية ، وقد تجسد هذا الأمر في الكثير من المسارات المهمة في الواقع العراقي ، ومن بين الثمار المهمة التي أثمرتها شجرة التظاهرات ، هي إطلاق حملة وطنية واسعة ، لتشجيع الصناعة الوطنية وتفضيل المنتج المحلي علي المستورد ، وهي مبادرة مهمة جدا ، لانها ستسهم في اعادة الثقة بالصناعة الوطنية ، هذه الثقة التي تلاشت تماما منذ اكثر من عقدين من الزمان ، بعد ان اصيبت القاعدة الصناعية ، بحالة من الضمور الشديد ، فاختفت منتجاتنا المحلية ، بنحو كامل ، وما يظهر منها الى الناس فهو بحالة رديئة جدا ، لايمكنه منافسة الأجنبي ، مع ارتفاع كلفته ..

نعم ، الصناعة الوطنية شهدت انحدارا حادا في عقد التسعينيات على وجه التحديد بسب الحصار الاقتصادي الذي  نخر الجسد الصناعي ، كما السرطان ،  حتى كاد ان يرديه قتيلا ، اذ انخفضت مساهمة قطاع الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي الى ادنى مستوياتها ، اذ وصلت الى اقل من (١%) ..  وشهدت مرحلة مابعد عام ٢٠٠٣ عدة محاولات ، لاعادة الروح الى صناعتنا الوطنية ، تمثلت بصدور مجموعة من القوانين المهمة مثل قانون حماية المنتج وحماية المستهلك والتعرفة الگمرگية وغيرها ، ولكن مع إطلاق عمليات  الاستيراد من دون ضوابط ، ومع تعطش المستهلك العراقي الى إشباع حاجته ،  جعل العراق اكبر سوق للاستيراد في المنطقة ، الأمر الذي اسهم  في حدوث حالة من الإغراق السلعي ، تسببت بحالة انكشاف اقتصادي خطير ، ادى  من جديد  الى تحجيم الصناعة المحلية ، وعدم قدرة  المنتج الوطني على المنافسة ، لاسيما مع وجود إرادات داخلية وخارجية ، كانت ومازالت تسعى لابقاء البلد مستهلكاً ، والأمر هنا لايقتصر على الواقع الصناعي ، إنماالزراعة  هي الأخرى كانت تعاني من عدم قدرتها على المنافسة ، فقد كان الاستيراد يشمل كل شيء ،  ومع مرور الزمن ، بدأنا نشهد خطوات وتحركات من الحكومة والقطاع الخاص ، باتجاه حماية المنتج الوطني ، فصدرت العديد من القرارات الحكومية ، واتخذت الوزارات ، خطوات مهمة بهذا الشأن ، فكان من نتاج ذلك ، ان نجح العراق  في النهوض بواقع صناعة الأسمنت ، الذي يعد من افضل الأنواع في العالم ، فمنذ عدة سنوات ، لم يعد البلد بحاجة الى استيراد الأسمنت ، لان إنتاجنا المحلي الذي يصل الى اكثر من ٣٠ مليون طن ،يكفي لسد كامل الحاجة المحلية، فضلا عن وجود منتجات صناعية وزراعية اخرى ، وقد أعلنت وزارة الزراعة مؤخرا عن منع استيراد اكثر من ٢٠ منتج زراعي ، لان المتوفر منها يكفي لتلبية الاستهلاك المحلي ، وقبل ذلك اتخذت لجنة الشؤون الاقتصادية ، قرارات اخرى قضت بمنع استيراد عدد من المنتجات ومنها العصائر والمياه والمشروبات الغازية وغيرها ، ومع كل يوم يمر ، نجد منتجا جديدا يدخل الى السوق ، ونشير هنا الى صناعة الألبان  والأدوية وغيرها ، ومن الإجراءات التي أسهمت في حماية السوق العراقية وضبط إيقاع الاستيراد العشوائي ، هو التعاقد مع شركات عالمية ، تتولى عملية الفحص المسبق للسلع والمنتجات المستوردة في بلد المنشأ ، للتأكد من مطابقة المستورد للمواصفة العراقية ..

ولكن ، ومع انطلاق حملة تشجيع المنتج المحلي ، هل ان الواقع الصناعي الحالي يلبي الطموح ؟.. بالتأكيد ، لا .. اذ مازال العراق بعيدا جدا عما يجب ان يكون عليه ، على الأقل الوصول الى تشغيل جميع المعامل والمصانع المختلفة المتوقفة  ، التي ينوف عددها على ٢٠ الف معمل ومصنع ، الكثير من هذه المصانع يتوافر على بنى تحتية ، وفي مجالات مختلفة ، ومن بينها صناعة السيارات والمكائن ، ولدينا مصانع اخرى لصناعة الأجهزة الكهربائية ، بعضها يعمل ، ولكن بحاجة الى تطوير وتوسيع .. نهيمن عن القاعدة الصناعية المتوفرة لدى القطاع الخاص .

وحقيقة الحال ، ان المؤهلات الصناعية والزراعية  المتمثلة بوفرة المواد  الأولية وخصوبة الأرض ، والتكامل المناخي والبيئي ، فضلا عن الموارد البشرية الهائلة والمتعلمة ، كلها مجتمعة ، يمكن من خلالها ان نحقق نهضة صناعية وزراعية هائلة في العراق ..

نعم ، مطلوب منا ان نشجع صناعتنا الوطنية ، وان نفخر بها ، ولكن قطعا ، الكلام وحده لايكفي ، إنما يجب  ان نترجم الكلام الى خطط واقعية ، تستند في خطوتها الاولى على تأهيل البنى التحتية للصناعة الوطنية ، وتوزيعها وفق خريطة متكاملة ، تغطي كل ارجاء الوطن ، بناء على توفر المواد الأولية وإنتاج المحاصيل الزراعية ، وبما يسهم في تحقيق التنمية المكانية والمحلية في جميع المحافظات والأقضية والنواحي والقرى والأرياف ، لان مثل هذه السياسة ، من شأنها ان توفر استقرارا سكانيا وامنيا واقتصاديا ، اذ لن يكون الشاب مضطرا للذهاب الى محافظة او منطقة اخرى ، للبحث عن فرصة عمل .

ان إعداد الخريطة الصناعية التي نتحدث عنها ، ليس بالأمر الصعب ،او المعقد ، فثمة الكثير من الخطط والاستراتيجيات الموجودة ، التي ربما تحتاج الى بعض التعديل وتصحيح ، بعض مساراتها ، لكي تنسجم مع تطلعات ورغبات العراقيين الذين اطلقوا حملة لتشجيع المنتج الوطني ، إنما الأهم من ذلك هو تنفيذ هذه الخريطة ، التي تتطلب بالدرجة الأساس وجود إرادة سياسية  قوية متوازنة ، لتحقيق نهضة  صناعية  وطنية نفخر بها ، تأخذنا الى مستقبل افضل ، بدل العودة الى الماضي للبحث عن صور لمنتجات قديمة ، أنتجتها مصانع عراقية ، لم تعد موجودة ..

وملاحظة اخيرة : منتجاتنا الوطنية ذات جودة عالية ، الا انها  تفتقر   الى العناية بمظهرها ، فالمشكلة اننا مازلنا بحاجة الى تطوير قدراتنا في عمليات الترويج والتسويق ، اذ ليس من المنطق ، ان نصدر التمور الى بلدان اخرى ، ثم نعود لاستيرادها ، بعد تعبئتها بعلب وأكياس جميلة مغرية !! .. أليس كذلك ؟

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك