صالح النقدي
أرسل هارون اللارشيد، في طلب وزيره حميد بن قحطبة، منتصف ليلة مظلمة مغبرة، فسأله: بمَ تفديني؟ أجاب حميد: بالنفس والمال، فقال: إذهب، وفي الليلة الثانية جدد طلبه بالقدوم مسرعاً، وكرر هارون نفس السؤال فأجابه الوزير: بالنفس والمال والولد، فذهب كأول مرة، ثم طلبه للمجيء على الفور فقال له، يا حميد بمَ تفديني؟ فرد عليه: بالنفس والمال، والولد، والدين، عندها إرتاح الخليفة هارون السفيه السفاح، وطلب منه أن يقطع رقاب ستين علوياً في تلك الليلة، ألا لعنة الخالق والخلق على الظالمين!
مواقف ثابتة جميعها توثق إدانة صارخة، بوجه الإرهاب بكل أشكاله، هي وجهة نظر معتدلة، لكن الأجواء السياسية والأمنية الآن، تتطلب منا توحيد الجهود والرؤى، لتخليص العراق من شراذم العصابات التكفيرية، بغية الإلتفات لإكمال المسيرة الإصلاحية، وأن الأيام تمر ورجالاتنا تمنح النفس، والمال، والولد، لأجل الأرض والعرض، للحفاظ على سلامة الخط الديني، المرتبط بمنهج محمد وآل محمد، (صلواته تعالى عليهم أجمعين)، فإن ذلك يعني للطرف الآخر، المحتج، والمعتصم، والمنتفض في غير وقته، ألا تكونوا كحميد وزير الخليفة هارون اللارشيد!
جميع القوى السياسية المشاركة، في العملية السياسية، إتفقت على المضي بالإصلاحات، مع تعاظم مطالبات المرجعية الرشيدة، وجماهير الشعب، لذا فهي ترفض سياسة فرض الأمر الواقع، بل تجتمع هذه القوى على أساس الحوار، والحكمة، والإنفتاح على الأطراف الأخرى، بعيداً عن التأزم والتخندق، فلذلك تداعيات جمة لا يحمد عقباها، وكلهم متفقون على ضرورة الإصلاح، فأين كنتم يا ساسة البلد، من فساد نوابكم المالي في الدولة العميقة؟ فقط نذكركم بأن محمداً بعث داعياً للإصلاح، وليس جابياً للنقود!
قيل إن الجرح العميق لاينتبه لغزارة الدم، فكيف بالعراق وجرحه النازف لم يلتئم بعد، وهناك مَنْ يحاول العبث به، فنراهم يدّعون بالإصلاح، بطريقة العنف القانوني، فما بين الحق والباطل إصبعان، فمع الاضطرابات السياسية الجارية، وبين التشكيك المفرط بالانتخابات، يتدهور الوضع الأمني، رغم فرحة تحرير البلد، على يد رجال الحشد الشعبي، أما مَنْ يسعون لزيادة عمق الجرح فنقول: كفاكم تهريجاً، ولا نريد للإرهاب أن يرتاح بتمزقنا، فما هكذا تورد الإبل!
الرغبة الجماهيرية والشعبية، في إحداث تغييرات نوعية في الأداء الحكومي بكافة مستوياتها، مع الحفاظ على الشرعية الدستورية والنيابية للحكومة، وتوفير الغطاءات المناسبة لها، وبإسناد برلماني كبير، وضمن أسقف زمنية واضحة، ومع حفظ التوازنات الوطنية، لكل مكونات الشعب، وليس كما يفعل البعض عبر الإنفلات، والإعتداء على هيبة الدولة.
خلفاء بني العباس أدّعوا، أنهم قضوا على بني أمية ثأراً لآل البيت، وأرتدوا العمائم السود حزناً لمصائبهم، لكنهم سرعان ما جعلوا من السذج، قاتلين للعلويين، كأمثال حميد بن قحطبة أيام اللارشيد، حيث لا نفس ولا مال، ولا ولد ولا دين، إلا من أجل المناصب والأموال، يوجهها الخليفة حيثما شاء، والأمر سيان لديكم يا قادة ، فلقد سفكتم الدماء، وعمل نوابكم جباة لحكومة الفساد والفشل، ثم تظهرون فجأة تدعون الإصلاح، لبئس ما سميتم به أنفسكم أنتم وآباؤكم!
https://telegram.me/buratha