المقالات

الشباب والملل


 

 

تحتاج النفوس دائماً الى حافز للبقاء في التألق، وهذا الحافز يحتاجه الجميع؛ لأن بروز الملل في النفس أمر سريع جدا حتى قيل إن عدم الملل من المعاجز البشرية. وفئة الشباب تمتاز بأعلى درجات بروز الملل في شخصياتهم وتصرفاتهم، حتى أصبحوا مضربا للمثل في شدة وضوح هذه الظاهرة في حياتهم الاجتماعية، بل وأصبحت من مشاكل وصعوبات التعامل معهم، واخذ الكبار يفكرون في طرق التواصل المبتكرة التي تسمح لهم بالتعامل مع هذه الفئة دون التصادم مع هذه الصفة.

وقبل أن نبحث عن الطرق التي يحتاجها الإنسان عندما يتواصل مع لشباب علينا أن نفهم أن للشباب عالما خاصا له قوانين تحكمه وهو ليس عالما شبيها بعالم الكبار والراشدين من الناس _سواء كانوا من الآباء أو الأمهات_ وتبرز أهمية هذا التشخيص الدقيق لوجود عالم خاص بالشباب أن البعض من الآباء يجهل أو يتغاضى عن مثل هذه القضية ويتعامل مع الشاب وكأنه يتعامل مع شخص في عمره وتجربته ووعيه. ومن الجدير ذكره إن الاستعداد النفسي عند الكبار لابد أن يكون بمستوى المسؤولية الأخلاقية والشرعي تجاه هذه الفئة؛ لان الكثير من هؤلاء الشباب يفقد الأمل في أبيه وأمه وأقربائه ويبحث عن أشخاص آخرين يضع ثقته وزمام نفسه تحت سلطتهم ورعايتهم، وتبدأ بعد ذلك آثار الاختيار السيئ للأشخاص الآخرين، ثم يبدأ مسلسل لا ينتهي من الانتهاكات والانحرافات على مستوى الوعي والتصرف، وتكبر مع الزمن الفجوة التي أحدثها البعد بين الآباء والأبناء.

وصفة الملل وعدم القدرة على تحمل تبعات الفعل البطيء في تصرفات الكبار هو من ابرز ما يكدر العلاقة التي تربط بين الطرفين، وهذه العلاقة ليست مبنية بل تحتاج الى بناء وهي كالرسم على الماء إن كان الآباء مغفلين من ناحية الوعي الاجتماعي؛ وهذا ما يفسر لنا كيف أن كثير من كبار أصحاب الشهادات العليا لا يملكون ما يملكه الأمي من الناس؛ لأنه يمتلك وعيا وفطنة اجتماعية لا تدرس في الجامعات بل تدرس في بيئة الحياة العاقلة والهادفة. ويحتاج الآباء في كثير من الأحيان الى أن ينظروا الى فترة شبابهم ويسترجعوا شريط الذكريات التي عاشوها في بداية شبابهم حتى يفهموا شعور أبنائهم عندما ينفرون من التواصل معهم، وهذه الاستعادة للذكريات تساعد كثيرا في وضع حجر الأساس على أول طريق الوصول الى قلب الشاب الذي تتقاذفه آلاف الأحلام والأمنيات.

ومما يساعد على تذليل صعوبة التواصل ين الطرفين أن يضع الأب أولوية التواصل قبل أولوياته الأخرى، فلا يعتبر فقدان الاحترام مشكلة وهو غافل عن السبب، كما لا يعتبر فقدان الاهتمام بكلامه مشكلة وهو غارق في تأصيل المشكلة وهكذا. ولكل فئة من الناس لغة خاصة والشباب لغتهم التي يفهمونها هي لغة العصر المتأثرة بالمصطلحات التي تؤخذ من الإعلام المرئي، وأحيانا يتكلمون بلغة لا يفهمها غيرهم من الناس، وذلك أمر طبيعي فهم الفئة الأكثر تأثرا بتقلبات الحياة والأكثر انفتاحا على التطور التقني الاستهلاكي، ويحتاج الإنسان أحيانا الى وقت طويل حتى يفهم طلاسم كلامهم الخاص وهم في الوقت نفسه ليسوا ميالين لتعليم غيرهم اللغة التي يستعملونها، لان التعليم يحتاج الى أناة وصبر وهم ميالون للضجر والسرعة ويعتبرون ذلك سمة تميزهم عن بقية أفراد المجتمع.

فإذا كان الأب يريد أن يصل الى قلب الشاب فعليه أن يفهم لغته ولا يستهزيء بمصطلحاته ولا بطريقة كلامه؛ لان هذا من موجبات زيادة الفجوة بين الفريقين، ويستحسن أن تكون سمة الندية والاحترام هي السائدة بين الطرفين حتى يشعر الشاب بأهمية وجوده الخاص؛ فليس من المعقول أن يشعر الشاب بأهمية فئة الكبار واحترام خصوصياتهم ولا يقابل بنفس اللغة والمنهج. ولابد أن يبقى في الذهن واضحا ضرورة التأكيد على خصوصية الشاب في الحديث وفي أهمية مراعاة المنهج السليم في التعامل معه؛ لان الهدف هو الوصول الى قلبه والتأثير في سلوكه واستعمال الأسلوب غير المؤثر لا يؤدي الغرض، بل يؤدي في كثير من الأحيان الى بروز مشاكل جديد ليست لها حلول حاضرة، ويزيد من صعوبة التواصل الاجتماعي، ويظهر الكبير كأنه يعمل لمصلحته الخاصة وليس لمصلحة الشاب، وهذا ما يجعل الشاب ملولا من الاستماع إليه وحريصا على قطع التواصل؛ لأنه يشعر أن المعني الأول بهذا التواصل هو مصلحة الآخرين، وهو غير مستعد من الناحية النفسية أو السلوكية أن يضيع وقته في استماع الكلام فيلجأ الى عالم الملل، ويترك الأب أو الأم وحيدا لا يجد سبيلا للوصول الى الغاية، وهذه المشكلة هي مشكلة جميع الأجيال لكنها تزداد صعوبة مع الأيام بفعل تدخل التقنيات وتأثيرا على سلوكيات الشباب وخلق جيل من المجتمع مرتبط بالأجهزة والتقنية أكثر من ارتباطه بعالم الواقع. والملل هو سلاح الشاب للخروج من المتابعة لتعليمات الكبير كما انه يمكن أن يكون سبيل الكبير للوصول الى قلب الشاب من خلال ضع خطة يتجاوز فيها مميزات الشاب ويدخل بوعيه ودرايته الى عالم ابنه فيأخذ بيده الى سبيل الرشاد. 

 

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك